المنشورات
الريحان
فقام الريحان وقال يا آس لأجرحنك جرحا ما له من آس، ألم يرد فيك عن طرق الأئمة الأعلام عن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام (أنه نهى عن التخلل بك والاستياك لأنك تسقي وتحرك عروق الجذام) .
إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام
وأنا الوارد في عليكم بالمرزنحوش فشموه فإنه جيد للخشام، والمؤذن لأصحاب الأرق بالنيام، والنافع من الماليخوليا واللقوة وسيلان اللعاب وبرد الأحشاء ومن عسرالبول والمغص وابتداء الإستسقاء، ومن الأوجاع العارضة من البرد والرطوبة وأجفف رطوبة المعدة والأمعاء، وأحلل النفخ وأفتح السدد، وأدر الطمث، وأنفع من لسعة العقرب لمن بالخل ضمد، ودهن لما يعرض في الرحم من الاختناق والانضمام والانقلاب، ويدخل في الضمادات للفالج الذي يعرض فيه ميل الرقبة إلى الخلف، وتشنج الأعصاب، وتسكين وجع الظهر والأربية ويخرج المشمة وناهيك بها تبرئة، ومع هذا فأنا المنوه باسمي في القرآن في قوله تعالى (فروح وريحان) [الواقعة89] .
وإن كان الجنس في هو المراد، فقد قصر هذا الاسم على قصر إفراد.
وقد ورد في الصحيحين عن سيد بني كنانة (مثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة) .
وحسبك مني في التشبير قول من قال على البديه:
أما ترى الريحان أهدى لنا ... حما حما منه فأحيانا
كأنه في ظله والندى ... زمردا يحمل مرجانا
فعطف عليه الآس وقال يا ريحان أتريد أن تسود وأنت مشبه بها مات العبيد السود، ألم يغنك عن مقصوري قول الشهاب المنصوري.
أهلا وسهلا بريحاننا ... كأنه هامات تكر وري
وقال آخر
وريحان تميس به عصون ... يطيب يشمه لثم الكؤوس
كسودان لبس ثياب خز ... وقد قاموا مكاشيف الرؤوس
قال الراوي فلما أبدى كل ما لديه، وقال ما ورد عليه، اتفق رأي الناظرين وأهل الحل والعقد من الحاضرين على أن يجعلوا بينهم حكماً عادلاً، يكون لقطع النزاع بينهم فاصلا، فقصدوا رجلا عالما بالأصول والفروع، حافظا للآثار الموقوف منها والمرفوع عارفا بالأنساب، مميزا بين الإيماء والألقاب والأتباع والأصحاب، مديد الباع بسيط اليدين في معرفة الخلاف والإجماع، خبيرا بمباحث الجدل، واستخراج مسالك العلل، متبحرا في علوم اللغة والإعراب، مطلعا بعلوم البلاغة والخطاب محيطا بفنون البديع حافظا للشواهد الشعرية التي هي أبهى من زهر الربيع شديد الرمية سديد الإصابة، إذا فوق لفني الشعر والكتابة، الشعر والنظم صوغ بيانه، والنثر والإنشاء طوع بنانه، والتاريخ الذي هو فضيلة غيره فضله ديوانه، فلما مثلوا بين يديه، ووقعت عينهم عليه، قالوا يا فريد الأرض، يا عالم البسيطة ما بين طولها والعرض، واحكم بيننا بالحق، واقض لأينا بالملك أحق.
فقال أيتها الأزهار إني لست كالذي تحاكم إليه العنب والرطب، ولا كالذي تقاضي إليه المشمش ولا التين والعنب، إني لا أقبل الرشا، ولا أطوي الفل على الحشا ولا أميل مع صاحب رشوة، ولا استحل من مال المسلمين حسوة، إنما أحكم بما ثبت في السنة، ولا أسلك إلي طريقا موصلا للجنة، فقصوا علي الخبر لأعرف من فجر منكم وبر، فلما قص عليه كل قوله، وأبدى هينه وهو له.
قال: ليس أحد منكم عندي مستحق للملك، ولا صالحا للانخراط في هذا السلك ولكن الملك الأكبر والسيد الأبر وصاحب المنبر ذو النشر الأعطر، السيد الأيد الصالح الجيد من شاع فضله وانتشر، وكان أحب الرياحين إلى سيد البشر، وأشتمل على ما في الرياحين من الحسنى وزيادة، وحكم له النبي صلى الله عليه وسلم بالسيادة وشهد له بها ناهيك منه بالشهادة.
فقالوا أيها الإمام أوضح لنا هذا الكلام، وأرو لنا ما ورد عن النبي عليه أفضل الصلاة السلام لنبلغ من إتباعه غاية المرام، ونقطع الملام.
فقال روى الطبراني والبيهقي وابن السني وأبو نعيم وغيرهم بالأسانيد العالية من يريده عن النبي صلى الله عليه وسلم متتالية أنه قال (سيد الرياحين في الدنيا والآخرة الفاغية) .
وروى الطبراني من حديث ابن عمرو مرفوعا (سيد ريحان أهل الجنة الفاغية) . وكفى بذلك سطوعاً.
وروى البيهقي في شعب الإيمان عن أنس بن مالك قال (كان أحب الرياحين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاغية) .
وناهيك بذلك، هذا وفيه منافع للمعالج، من أوجاع العصب والنهد والفالج ومن الصداع وأنواع الجنب والطحال، وإذا جعل في ثياب الصوف منع السوس من فسادها بكل حال، ودهنه يلين العصب، ويحلل الإعياء والنصب، ويوافق الخناق وكسر العظام، والشوصة وأوجاع الأرحام، وما يحدث في الأربية من حار الأورام، ويقوي الشعور ويزينها، ويكسيها حمرة وطيبا ويحنيها وحناؤه المسحوق ينفع من الأورام الحارة والبلغم ويفتح أفواه العروق وينفع القروح والتلاع ومواضع حرق النار، ومن شرب ما نقعت فيه حسن ما تهن منه من الأظفار، ونفعه من إبتدى الجذام بالإدمان، وإذا خضب رجل المجدور حصل لها منه الأمان، وإذا ضمد بها الجبهة والصدع منع انصباب المواد إلى العين، وإذا شرب بزرها بمثقال من العسل نفع الدماغ بلاءين.
وقد روى الترمذي وأبو نعيم عن سلمى قالت (ما كانت برسول الله صلى الله عليه وسلم قرحة ولا نكتة إلا أمرني أن أضع عليها الحناء) .
وروى البزار وابن السني وأبو السني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي صدع فيغلف رأسه بالحناء) .
وروى البزار حديث (اختضبوا بالحناء فإنه يزيد في شبابكم ونكاحكم) يعني الوقاع.
وروى ابن السني حديث (عليكم بسيد الخضاب الحناء يطيب البشرة ويزيد في الجماع) .
والأحاديث في الحث على صبغ الشعر به كثيرة، وعلى خضاب أيدي النساء به شهيرة، وأنا القائل فيه لأوصله حقه وأوفيه.
كأنما دوحة الحناء إذا فتحت ... أنوارها وبدت في عين مرتقب
عروس حسن تجلت في غلائلها ... خضرا وقد حليت باللؤلؤ الرطب
قال: فلما سمعت الرياحين هذه الأحاديث في فضله أطرقوا رؤوسهم خاشعين وظلت أعناقهم لها خاضعين، ودخلوا تحت أمره سامعين طائعين، ومدوا أيديهم له مبايعين بالغمرة ومتابعين، وقالوا لقد كنا قبل في غفلة عن هذا إنا كنا ظالمين، وتواصوا على إشاعة ما فضله الله تعالى به وقالوا لا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين، وقضى بينهم بالحق، وقيل الحمد لله رب العالمين ...
مصادر و المراجع :
١- مقامات السيوطي
المؤلف: عبد
الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)
الناشر: مطبعة
الجوائب - قسطنطينية
الطبعة: الأولى،
1298 هـ
18 مايو 2024
تعليقات (0)