المنشورات

المقامة التفاحية

لمولانا شيخ الحديث جلال الدين الأسيوطي رحمه الله تعالى ورضي عنه ونفع المسلمين ببركاته بسم الله الرحمن الرحيم سألت طائفة فاقهة عن مناقب الفاكهة، وصفاتها المتشاكهة، وما ضرب لها من الأمثال والمشابهة، وما قاله فيها من كل طبيب أريب، وكل شاعر أديب واختارت منها سبعة زهراء وبضعة، جهر الزمان يحسنها جهراً، فأجبناها لما طلبت، وسالت قناة القلم بالبلاغة فيها لما سالت ورغبت، وبدأنا بالألطف فالألطف في الذات، والأشرف فالأشر ف في الصفات.

الرمان
وما أدراك ما الرمان، مصرح بذكره في القرآن، في قوله تعالى في سورة الرحمن، (فيهما فاكهة ونخل ورمان) وفي الحديث (ليس في الأرض رمان تلقح إلا بحبة من حب الجنة) .
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيما رواه البيهقي وأسنده: (كلوا الرمان بشحمه فإنه دباغ المعدة) ، من غير أن يضر بعصبها، ويحدر منها الرطوبات المرية العفنة ويبريء من وصبها، ويحط الطعام إذا مص بعده عن فمها، وينفع من الحميات الغب المتطاولة وألمها، ومن الجرب والحكة والخفقان، وإذا أديم مص مع الطعام أخصب الأبدان، ويقوي الصدر، ويجلو الفؤاد، وإذا أكل بالخبز منعه من الفساد، جيد الكيموس قليل الغذاء، صالح للمحرورين دافع للأذى ويتغط لما يحدثه من قليل رياح، ويكون نفخه سريع التغشي لا يحتاج إلى إصلاح وفيه قبض لطيف، ويسير تجفيف، وحبه أشد في ذلك من قشره، ثم جنبذه الذي يسقط من الشجر إذا عقد زهره، وإذ وضع في شمس حادة ماؤه المعتصر، واكتحل به بعد غلظه أحد البصر، وكلما عتق كان أجود وأبر، وإذا طبخ ماؤه في إناء نحاس نفع من القروح والعفن والروايح المنتنة في الأنف والأذن، وحامض أنفع للمعدة الملتهبة وأكثر للبول إدرارا، وأقوى في تسكين الأبخرة الحارة مقدارا وأشد تبريدا للكبد ولاسيما أن أولى إدمانا وإكثارا، ويطفئ نارية الصفراء والدم، ويقطع القيء ويقطع من المعدة البلغم، وإذا عصر النوعان مع شحمهما وشرب منه نصف رطل مع سكر عشرين درهما أسهل المرة الصفراء، وقوى المعدة وأذهب عنها ضرا، وإن شرب أواق مع عسرة دراهم سكر، فإن هذا يقارب الأهليلج الأصفر، وفي الشراب المتخذ منهما خاصية في منع أخلاط الأبدان من التعفن، والرب المتخذ من الرمانين يقوي المعدة الحادة ويقطع العطش والقيء والغثيان وإذا عصر الرمانتان بشحمهما وتمضمض بمائها نفع من القلاع المتولد في أفواه الصبيان وإذا طبخ في إناء نحاس ماؤهما المعتصر وأكتحل بهما أذهبا الحكة والجرب والسلاق وقوى البصر، والأولى أن يمتص المحموم من الزمنة بعد غذائه ليمنع صعود البخار ولا يقدمه فيصرف المواد عن الانحدار، وإذا شويت الرمانة الحلوة وضمدت بها سكنت وجع العين الرمدة، وزهر الرمان يقطع القيء الزريع المفرط إذا خمدت به المعدة، وإذا فرغت رمانة من حبها وملئت بدهن ورد عن لبها، وفترت على نار هادية تفتيرا، سكن وجع الأذن تقطيرا، ومع دهن بنفسج ينفع للسعال اليابس كثيرا، وحب الرمان الحامض إذا جفف في الشمس ودق للأنعام ودر وطبخ مع الطعام، منع الفضول أن تسيل على المعدة والأمعاء، وإذا نقع في ماء المزن وشرب نفع من نفث الدم نفعا، وقشر الرمان إذا سحق وسفى منه عشرة دراهم أخرج الدود، وإذا عجن بعسل وطلى به آثار الجدري وغيرها أياما متوالية أذهبها وحصل المقصود، وإذا طبخ في ماء وتمضمض به قوى لثة الفم، وإن شربه أمسك استرسال البول وإسهال البطن وانضم، وإن استنجى به قوى المعدة وقوى ما انبعث من أفواه البواسير، وإن جلس فيه النساء نفع من النزف وسدده، أو الأطفال نفعهم من خروج المقعدة وجلناره يشد اللثاث ويلزق الجراحات، ويتمضمض بطبيخه للثة التي تدمي كثيرا والأسنان المتحركات. وزعم قوم أولوا عدد وعددا أن من ابتلع منه ثلاث حبات صغار لم يحدث له تلك السنة رمد، وأصل شجر الرمان إذا شرب طبيخه بنار موهجة قتل حب القرع وأخرجه. فسبحان من أوجده من العدم، وأودعه هذه المنافع والحكم، وصوره كرة للاعب، أو نهد لكاعب، وملأه بحبات العقيق والياقوت، وجعله لما شاء من طعام وشراب وتفكه ودواء وقوت، وذكرنا به رمان الجنان، الذي كل رمانة منه قدر المقتب من البعران، كما ورد عن سيد ولد عدنان، وشرف وكرم. وقد أكثر الشعراء فيه من التشبيه، وأجادوا في النظر والتمويه. فقال شاعر
رمانة مثل نهد الكاعب الريم ... تزهى بشكل ولون غير مذموم
كأنها حقة من عسجد ملئت ... من اليواقيت نشرا غير منظم
وقال آخر
رمانة صبغ الزمان أديمها ... فتبسمت في ناضر الأغصان
فكأنما هي حقة من عسجد ... قد أودعت خرزا من المرجان
وقال آخر
خذوا صفة الرمان عني فإن لي ... لسانا عن الأوصاف غير قصير
حقاق كأمثال العقيق تضمنت ... فصوص بلخش في غشاء حرير
وقال آخر
طعم الوصال يصونه طعم النوى ... سبحان خالق ذا وذا من عود
فكأنما والخضر من أوراقها ... خضر الثياب على نهود الغيد
وقال آخر
وأشجار رمان كأن ثمارها ... ثدي عذارى في ملابسها الخدر
إذا فض عنه قشره فكأنه ... فصوص عقيق في حقاق من الدر
فدر لكن لم يدنسه عارض ... وماء ولكن في مخازن من حجر
وقال آخر
ولاح رماننا فأبهجنا ... بين صحيح وبين مفتوت
من كل مصفرة مزعفرة ... تفوق في الحسن كل منعوت
كأنها حقة فإن فتحت ... فصرة من فصوص ياقوت
وقال آخر في الجلنار
وجلنار مشرف على أعالي شجره ... قراضة من ذهب في خرقة معصفرة
وقال آخر
وجلنار بهن ضرامة يتوقد ... بدا لنا في غضون خضر من الري ميد
يحكي فصوص عقيق=في قبة من زبرجد

الأترج
وما أدراك ما الأترج، مذكور في التنزيل، ممدوح في الحديث منوه له بالتفصيل.
قال تعالى (واعتدت لهن متكأ) . فسر بالأترج عن من روى ومن رأى. وفي الحديث الصحيح وهو الوابل الصيب، (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة طعمها طيب، وريحها طيب) . وفي حديث آخر استخرجه الحفاظ من اللج، أنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه النظر إلى الأترج. بارد رطب في الأولى، يصلح غذاء ودواء مشموما ومأكولا، يبرد عن الكبد جدا ويزيد في شهوة الطعام دسرا، ويقمع حدة المرة الصفراء، ويزيل الغم العارض منها ويبدله بشرا، ويسكن العطش وينفع اللقوة جهرا ويقطع القيء والإسهال المزمنين دهرا. وحماضه يقوي القلب الشديد حرا، وينفع الماليخوليا المتولدة من احتراق الصفراء، ويقمع البخار الحار والصفراء والقيء والخفقان، وينفع شربا وطلاء من لسعة العقربان، واكتحالا من الرمد واليرقان، وطلاء من القوبا والكلف ويجلو الأبدان ويحبس ما يتجلب من الكبد إلى المعدة والأمعاء، وكم له في الإسهال العارض من قبل الكبد نفعا، وإذا نقع في ماء الورد وقطر في العين نفع الرمد المزمن وأبرأه من الشين، وربه دابغ للمعدة من الرين، والمربى جيد للحلق والرئة من الغين، وطبيخه مسمن ونافع من الحمى يزيل وهجها. وإذا ألين طبخ بالخل وشرب قتل العلق المبلوعة وأخرجها، وعصارته تسكن علة النساء، وقشرة في الثالثة حرارة ويبسا، يقوي المعدة منه اليسير وينفع أكله من البواسير، وإمساكه في الفم يطيب لفاكهة المشمومة. وفي الثوب يمنع السوس أن يحومه، وعصارته إذا شربت نفع من نهش الأفاعي والأدوية المشمومة، وحراقته طلاء جيد للبرص معلومة. ورائحة الأترج تصلح فساد الهواء والوباء، وحبه ينفع من لدغ العقارب مدقوق طلاء ومقشرا مشوبا. وبزره يقوي اللثة ويحلل الأورام، وورقه مقوي للمعدة والأحشا ضم من الأكل ما يشاء للمعدة، مسخن موسع وللسدد البلغمية مفتح، ودهنه نافع للمعالج من استرخاء العصب والفالج. قالت طائفة من الحكماء جمع أنواعا من المحاسن والإحسان قشره مشموم وشحمه فاكهة، وحماضه إدام، وبذره دهان. وقد أكثر فيه الشعراء ونظم فيه الأدباء.
قال شاعر:
أنظر صنعة المليك وما ... أظهر في الأرض من أعاجيب
جسم لجين قميصه ذهب ... ركب في الحسن أي تركيب
فيه لمن شمه وأبصره ... لون محب وريح محبوب
وقال آخر:
كأن أترجنا النضير وقد ... زان بجناتنا تصنيعه
أيد من التبر أبصرت بدرا ... من جوهر فانثنت تجمعه
وقال آخر:
حباك من تهوى بأترجة ... ناعمة مغدودة غضة
فجلدها من ذهب سائل ... وجسمها الناعم من فضة
وقال آخر:
يا حبذا أترجة تحدث للنفس طرب ... كأنها كافورة لها غشاء من ذهب
وقال آخر:
انظر إلى الأترج وهو مصنع ... إن كنت للتشبيه أي محقق
فكأنه كف يضم أناملا ... منها ليدخل في إناء ضيق
وقال آخر:
يا حسن أترج يلوح لناظري ... عليه من الأوراق خضر الغلائل
حكى سمتها ما غير البين حاله ... وقد عد أيام النوى بالأنامل
وقال آخر:
أمسيت أرحم أترج وأحبسه ... في صفرة اللون من بعض المساكين
عجبت منه فما أدرى صفرته ... من فرقة الغصن أم خوف السكاكين
وقال آخر:
وصفراء من الأترج في وسط مجلس ... يحاكي وجوه العاشقين إصفرارا
تشير إذا لاحظتها بأصابع ... كأيدي جوار الترك لولا احمرارها
وقال آخر
لله بل للحسن أترجه ... تذكر الناس بأحر النعيم
كأنها قد جمعت نفسها ... من هيبة الفاضل عبد الرحيم

السفرجل
وما أدراك ما السفرجل. ورد في حديث عن طلحة صحيح الإسناد (أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إليه سفرجلة وقال دونكها فإنها تجم الفؤاد) . وفي رواية أخرجها إمام عالي القدر، (فإنها تشد القلب وتطيب النفس وتذهب بطخاوة الصدر) وفي حديث له رواء وبريق (كلوا السفرجل على الريق) . وفي حديث رواه من اسند واستند، (كلوا السفرجل فإنه يجم الفؤاد ويشجع القلب ويحسن الولد) . بارد في آخر الأولى، يابس في أول الثانية، فيه منافع وقبض وتقوية يقوي المعدة القابلة للفضول، والشهوة الساقطة جداً للمأكول ويسكن العطش والقيء ويدر، وينفع من الدوسنطاريا ويقر، ويحبس النزف والعرق، وإذا دخل البطن على الطعام انطلق وعصارته نافعة من الربو وانتصاب النفس، وإذا قطرت في الاحليل نفعت من حرقة البول الذي انحبس، ولعابه يرطب ما في قصبة الرئة من اليبس، وحبه ملين لا قبض فيه لمن شاء. وهو يمنع سيلان الفضول في الأحشاء، وينفع الحلق من الخشونة، ويحدث في قصبة الرئة ليونة، ودهنه نافع من النملة والشقاق، ومن الجروح الجربية على الإطلاق، ومن وجع الكلى والمثانة وما في البول من الاحتراق ومشويه يوضع على العين للحار من الأورام، ويحقن بطيخة لنتوء المعدة والأرحام وإذا أدمنت الحامل أكله كان ولدها أحسن الصورة، وإذا وضع مطبوخه على الثدي نفع الأورام من انعقاد اللبن وأزال منه الضرورة، وكم له من منافع وخواص مذكورة وفيه أشعار كثيرة مشهورة.
قال الشاعر
سفرجلة جمعت أربعا ... فكأن لها كل معنى عجيب
صفاء النضار وطعم العقار ... ولون المحب وريح الحبيب
وقال آخر
حاز السفرجل لذات الورى وغدا ... على الفواكه بالتفضيل مشهورا
كالراح طعماً ونشر المسك رائحة ... والتبر لوناً وشكل البدر تدويرا
وقال آخر
سفرجلة صفراء تحكي بلوبها ... محباً شداه للحبيب فراق
إذا شمها المشتاق شبه ريحها ... بريح حبيب لذ منه عناق
وقال آخر
سفرجل كأنه ... مثل ثدايا النهد
يحكى اصفرار لونه ... صبغة لون العسجد
وقال آخر
ململمات من كرات التبر ... مقنعات برقاق خضر
بنكهة العطر وفوق العطر ... أطيب من نشق سلاف الخمر

التفاح Pyrus malus
وما أدراك ما التفاح بارد رطب في الأولى، مقو لفم المعدة، إذا صادف فيها غليظا أحدره فضولا، طيب في المذكورين، موافق قل أن يضر المحرورين له خاصية عظيمة في تفريج القلب وتقويته، ذو عطرية تعد من أغذية الروح وأدويته من أنفع الأشياء للموسوسين والمذبولين أكلا وشما، ويقوي الدماغ وينفع هو وعصارته وورقه سما، ويضمد بها العين الرمد إذا شوي شيئا، والمشوي منه في العجين ينفع قلة الشهوة ومن الدود والدوسنطاريا. ومن خاصيته فيما ذكره الأطباء توليد النسيان، وروي فيه أثرا إلا أنه في غاية النكران وشرابه يعقل الطبيعة ويقمع حرا، ويصلح الغثي والقيء الكائنتين من المرة الصفراء، وعصارته لرجل النقرس طلاء، وهو يسر النفس ويحسن الخلق شما ومأكلا، والحذر من فاكهة لم تنضج على شجرها فإنها عليلة ومن أكثر من ذلك حمى حُمى طويلة، وجعل ابن البيطار السفرجل نوع من أنواع التفاح، وجعل منها غالب ما أوردناه، في هذا المراح، فسمي الأترج بالتفاح المائي نسبة إلى بلادماه، والخوخ بالتفاح الفارسي سماه، والمشمش بالتفاح الأرمني دعاه، وهذا يدل على شرف التفاح لمن وعاه، ومن محاسنه الأدبية أنه اجتمع فيه الصفرة الدرية، والبياض الفضي والحمرة الذهبية. وأنه يلذذ من الحواس ثلاثا بجرمه العين لحسنه، والأنف لعرفه، والفم لطعمه، وكم قال فيه من شاعر ماهر وأديب باهر. حيث قال أحدهم:
وتفاحة فيها احمرار وخضرة ... مخضبة بالطيب من كل جانب
تكامل فيها الحسن حتى كأنها ... تورد خد فوق خضرة شارب
وقال آخر
كأنما التفاح لما بدا ... يرفل في أثوابه الحمر
شهد بماء الورد مستودع ... في أكر من جامد الخمر
كأننا حين نحيا به ... نستشف الند من الجمر
وقال آخر
تفاحة جمعت لونين خلنهما ... خدي حبيب ومحبوب قد اعتنقا
تعانقا فبدا الواشي فراعهما ... فاحمر إذا خجلا واصفر ذا فرقا
وقال آخر
وتفاحة من كف ظبي أخذتها ... جناها من الغصن الذي مثل قده
بها لين عطفيه وطيب نسيمه ... وطعم لماه ثم حمرة خده
وقال أخر
الخمر تفاح جرى ذائبا ... كذلك التفاح حمر حجد

الكمثري
وما أدراك ما الكمثري بارد في الثانية رطب في الأولى، يشاكل التفاح في طبيعته ولكن التفاح خير منه وأولى، ويقوي القلب والمعدة من الاعتلال، ويقطع القيء والعطش والإسهال، ومن اشتدت حرارة معدته والتهبت وارتفعت عن درجة المبرودين وذهبت حصل له به نجاح، ولم يحتج منه إلى إصلاح. قال بعضهم: إن الكمثري أسرع إنهضاما من التفاح، وما يتولد منها في البدن أحد منه وأقرب إلى الإصلاح. وقال قوم: إن أكلها على الريق يضر بآكله ويسيء بفاعله. وخصه ابن البيطار بمن أكل على سبيل اللذة والغذاء، لا على سبيل الحاجة والدواء، فأما للداء فهو على الريق أفضل وأجدر، لأنه بعد الطعام مطلق وزائد في ضعف المعدة وأوقى، والحامض من الكمثرى دابغ للمعدة، زائد في الشدة مشه للأكل، مدر للبول، وشرابها وبزرها للمعدة يشدان، وللإسهال الصفراوي يقطعان ويسدان. وقد شبهه الشعراء بالنهد والسرة وناهيك بحسن هذا التشبيه في المسرة. قال شاعر:
وكمثري تراه حين يبدوا ... على الأغصان مخصر الثياب
كثدي مليحة أبدته تيها ... له طعم ألذ من الشراب
وقال آخر
حبا بكمثراية لونها ... محب زائد الصفرة
يشبه نهدا لثيب قعدت ... وهي لها إن قلبت سرة
وقال آخر
وكمثري سباني منه طعم ... كطعم المسك شيب بماء ورد
لذيذ خلته لما أتانا ... نهود السمر في معنى وقد
وقال آخر
وكمثري بستان ... شهي الطعم والمنظر
كأثداء الدماجات ... عليها السندس الأخضر
لها طعم إذا ذيق ... كماء الورد والسكر

النبق Rhammus frangula
وما أدراك ما النبق. قال الملك المعبود: (في سدر مخضود) [الواقعة28] . وفي الحديث عن سيد البشر (رأيت سدرة المنتهى فإذا نبقها كقلال هجر) . والسدرة المذكورة في القرآن وفي عدد من الأحاديث الصحاح الحسان بارد يابس في وسط الدرجة الأولى، نافع للمعدة يحدر عنها فضولا، يسهل المرة والصفراء، والمجتمعة في المعدة والأمعاء، وهو للحرارة قميع وينفع للإسهال الذريع، فهو مطلق وعاقل كالأهليلج الذي هو للبرد والعفونة فاعل. فسبحان خالق الأضداد، والأشباه والأنداد. يقوي المعدة من الضعف، وينفع من قروح الامعاء والنزف وهو يمنع تساقط الشعر ويقويه ويطوله، وورقه يلين الورم الحار ويحلله، ويصلح أمراض الرئة وللربو يزيله ويعد له، وطبيخ السدر لسيلان الرحميبطله وصمغه يذهب الابرية والخرار اذابه يغسله، وكم فيه من شعر يصفه ويفضله.
قال الشاعر:
وسدرة كل يوم ... من حسنها في فنون
كأنما النبق فيها ... وقد بدا للعيون
جلاجل من نضار ... قد علقت في الغصون
وقال آخر
انظر إلى النبق في الأغصان منتظماً ... والشمس قد أخذت تجلوه في القضب
كأن صفرته للناظرين قد غدت ... تحكي جلاجل قد صيغت من الذهب
وقال آخر
انظر إلى النبق الذي ... فيه الشفاء لكل ذائق
فكأنه في دوحة ... والليل ممدود السرادق
ذهب تبهرجه الصيارف ... فصار حباً للمجانق
وقال آخر
تفاءلت لكي تبقى ... فأهديت لك النبقا
فلا زلت ولا زلنا ... وفي النعمة لا تشقى

الخوخ Pronus Spinosa
وما أدراك ما الخوخ بارد في آخر الأولى رطب في مبدأ الثانية، ينفع الأبدان اليابسة الحارة الواهية، جيد للمعدة الحارة يقطع اللهيب والعطش ومضاره ويشهي الطعام، ويزيد في الباه والإغتلام، ويطفئ الحرارة المطلقة وينفع المحموم وقت صعود الحمى الحادة إذا كانت غباً خالصة أو محرقة. وورقه إذا دق وعصر وشرب مرات متوالية أسهل حب القرع والحيات وإذا ضمد به السرة قتل ما في البطن من الديدان، وإذا دلك به بعد الطلاء بالنورة طيب الأبدان، ودهنه ينفع من الشقيقة ومن أوجاع الأبدان والأذان.
وكم فيه للشعراء من تشبيهات حسان قال الشاعر
وخوخة بستان ذكي نسيمها ... من المسك والكافور قد كسبت نشرا
مليسة ثوباً من التبر نصفها ... مصاغاً وباقيها كياقوتة حمرا
وقال آخر
وخوخة جمعت طعماً ورائحة ... ومنظراً يا له من منظر حسن
فيها من الطعم أصناف مضاعفة ... طعم الفواكه مجنى من الغصن
وفي وسطها عجوه تشفي إذا عصرت ... من كل داء جرى في الرأس والبدن
أضحت شفاء وريحاناً وفاكهة ... زين الفواكه في الأمصار والمدن
وقال آخر
كأنما الخوخ على دوحه ... وقد بدا أحمره العندمي
بنادق من ذهب أصفر ... قد خضبت أنصافها بالدم
وقال آخر
وخوخة يحكى لنا نصفها ... وجنة معشوق رآه الرقيب
ونصفه الآخر شبهته ... بلون صب غاب عنه الحبيب
وقال آخر
يا حبذا الخوخ ويا حبذا ... محمره المغموس في الأبيضاض
كأنه خد رشا لم يزل ... يبصر فيه أثر العضاض
وقال آخر
يا حبذا الخوخة والذائق ... وحسنها المستكمل الفائق
كأنما توريد حافاتها ... توريد خد مصه عاشق
ونختم هذه المعاني بقول ابن شرف القيرواني
سقى الله عيشي تحت ريان يانع ... مغذا بالندا وبرد وظلال
كأني إذا امتدت على ظلاله ... مسحت على بردى درع غوالي
كأن على أوراقه أدمع الحيا ... نظام لئال أو نجوم ليالي
كأن على أعتابه سندسية ... سواتر من حر الهجير كوالي
كأن مديران العرايش فوقنا ... هوابط خلخال قلبين عوالي
كأن جنا المقطوف من ثمارتها ... جنا النخل ممزوجاً بماء زلال
كانسنا النازنج فوق غصونه ... سنا الجمر تذكى بالالوة صالي
كأن ميادي الجلنار أنامل ... مطرقة من داميات نبال
كأن در الرمان غيد نواهد ... جلاهن في أعلى المنصة جالي
كأن ثمار النبق أنجم عسجد ... بغير سنا شمس ونور هلال
كأن ثمار الخوخ تبدي جنوبها ... خدوداً من التخميش ذات بلال
كأن جنا ورد به جمعا معاً ... عقيق ودر في تراب حال
كأن ذكى الياسمين وحسنه ... جميل ثناء عن جزيل نوال
فيا حبذا حالي إذا رحت حاليا ... بهذا وذا لونان سرى خال












مصادر و المراجع :

١- مقامات السيوطي

المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)

الناشر: مطبعة الجوائب - قسطنطينية

الطبعة: الأولى، 1298 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید