المنشورات
المقامة الزمردية
قال مولانا مجتهد العصر جلال الدين الأسيوطي رحمه الله تعالى: سأل سائل عن أمثل الوسائل، ويرصد لديوان الرسائل عن الخضروات السبعة، المنفردة بالرواء واللمعة، وما أجدى منها نفعه، وأجدر وقعه، وأسرع وضعه، وأوضع سرعة، وأنصع في فن الطب شرعه. فقال: على الخبير سقطتم، ومن البحر لقطتم، ولقد أقسطتم في سؤالكم وما قسطتم، وسأنبيكم بما يفوق حكمة بقراط، من غير تفريط ولا إفراط.
القرع Cucurbita Pepo
وما أدراك ما القرع، ذو الفضل الذي انتشر، والذي كان يحبه سيد البشر، صلى الله عليه وسلم، وشرف وعظم وكرم، كم فيه من حديث ورد، وخبر مقبول ورد. ففي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يتتبعه من حوالي الصفحة. وروى النسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب القرع) وكفى بذلك تحفة. وفي حديث رواه الحافظ من المتقنين المبرزين (إذا طبختم قدراً فأكثروا فيها من الدباء فإنه يشد قلب الحزين) . وفي حديث رواه أئمة البلاغ (عليكم بالقرع فإنه يزيد في الدماغ) بارد رطب في الدرجة الثالثة، دواء نافع من الأدواء العايثة العابثة، وهو أقل الثمار الصيفية مضرة، وأيسرها في المعدة لابثة، مذكور في المشهورين، ومشهور في المذكورين، وهو من طعام المحرورين، جيد لأصحاب الصفراء، ولأصحاب الكبد الحارة أصلح وأحرى، لم يداوى المبرسمون والمحررون بمثله صنعاً، ولا أعجل منه نفعاً، ولا أعظم منه وقعاً، يبرد ويطفي ويلين البطن، ويغفي ويسكن العطش واللهيب، وله في نفع الحميات نصيب، ومرقة الفروج المطبوخ في منعشة من الغثيات الناشئة من حدة الأخلاط الصفراوية في الحميات، وذا ضمد به شيء من الأورام الحادة بردها وأطفأها، وسواء في ذلك الدماغ والعين والنقرس وما سواها، وماؤه إذا شرب أو غسل به الرأس سكن الصداع، وينوم من يبس دماغه من مرض الزكام تقطيراً في الأنف بلا نزاع، وإذا لطخ بعجين وشوي واستخرج ماؤه سكن حرارة الحمى الملتهبة، وقطع العطش، وحسن غذاؤه وان شرب بخيار شنبر وبنفسج مربى، أحدر صفرا محضة، وأزال كربا، وان كحل بمائه المذكور العينان اذهب عنهما صفرة اليرقان، وجرادة القرع إذا لطخ به الرأس سكن من الصداع، أو ضمدت به العين من الرمد الحاد سكن منه الأوجاع، أو الحمرة حصل لمادتها الإرداع، وماء قشر القرع إذا استعط به نفع من وجع الأسنان، أو قطر مع دهن ورد نفع الوجع الحاد في الآذان، وإذا طبخ القرع بالخل نقص من غلظه وانهضم، وكان اشد تطفية للصفراء والدم، وسو يقه نافع من السعال ووجع الحلق والصدر الصادرين حراً، ومن الكرب الحادث من الصفراء، ودهن القرع نحو دهن البنفسج والنيلوفر جيد للحر والسهر، وهو مناجل الأدوية لتنويم المحمومين والمسلولين. كيف ما استعمله البشر، وإذا اكتحل بماء زهرة اذهب الرمد الحاد واقلعه، وقشر القرع اليابس إذ احرق وزر على الورم المنبعث قطعه، وإذا عجن والحالة هذه بخل وطلى به على البرص نفعه، وينفع من قروح الذكر والأعضاء اليابسة المزاج، وهو جيد لتطهير الصبيان ولحرق النار معجونا بسمن النعاج، وإذا قشر حبه ودق واستخرج منه الأدهان نفع وجع الأمعاء الحادة ووجع الآذان. ولب بزره ينفع من السعال الحاد المواد، ويرطب الصدر ويبرئ حدقة المثانة المتولدة من خلط حاد. ولو لم من فضله المبين إلا أنه داوى الله عز وجل به رسولا من أصفيائه المرسلين. قال تعالى: (فنبذناه بالعراء وهو سقيم، وأنبتنا عليه شجرة من يقطين) (144، 145الصافات) . وفيه يقول الشاعر:
وقرع تبدى للعيون كأنه ... خراطيم أفيال لطخن بذنجار
مررنا فعايناه بين مزارع ... فأعجب منا حسنه كل نظار
وقال آخر:
باكورة من قرعنا ناضر ... في كف حلو الدل بغداذ
كأنها كافورة أقبلت ... في خرق خضر من اللاذ
الهندبا cichorium intybus
وما أدراك ما الهندبا فيه أحاديث عديدة، طرق بعضها لبعض شهيدة، ما من ورقة من ورق الهندبا إلا عليها قطرة من الجنة، وهذه منقبة جليلة وفضيلة ومنّة، من الأطباء من يسميها البقلة المباركة، لأنهم حمدوا في قانونها الطبي مسالكه، بارد رطب في الأولى، جيد للمعدة مأكولا، ينفع من ضعف القلب والمعد، ويفتح من الكبد والطحال السدد، وهو من أفضل دواء للمعدة والكبد الحادين، ويطفي حرارة الدم والصفراء، وينقي مجاري الكلى من الرين، وإذا أكلت مطبوخة عقلت، وتسكن التهاب المعدة والكبد ضمد بها أو أكلت، وينفع من الحميات والاستسقاء والأورام ومن نفث الدم وأكثر السموم ولسع الهوام، وتسكن الغثيان، ويضمد بها من الحمرة والخفقان، ومن النقرس والورم الحاد في عين الإنسان، ويضمد بأصلها من لسع الحية والعقربان، وماؤه إذا على وصفى وشرب بسكنجبين ينقي الرطوبات العفنة، وينفع من الحميات المزمنة، وإذا طلي به الأورام بردها وأسعف، وبزره قريب الفعل من مائه المعتصر إلا أنه اضعف. وقال في القانون: وهو أبرها، أنفع الهندبا للكبد أمرها، وليحذر الهندبا أصحاب السعال، فإنه لا يوافقهم مجال. وفيه يقول الشاعر القوال:
ألا حبذا الهندبا بقلة ... منافعها جمة نافعة
لها ورقات كلين الرياط ... خضر بأطرافها طالعة
وإذا ناله ذو سقام أبل ... ولم يخش من بعده واقعة.
الخس
وما أدراك ما الخس بارد رطب أشد من الهندبا ترطيبا وأوفى في التطفئة، وتسكين العطش نصيبا، مبرد للبطن منوم، مدر للبول إذا عليه دوم، وإذا طبخ فهو أكثر في الغذاء، وإذا أكل كما قلع غير مغسول وافق من يشتكي من معدته أذى، وينفع من الحمرة والورم الحار، وليكثر من أكله من معدته تولد المرار.
قال ابن البيطار: ولم أجد شيئا من البقول يداوى به السهر غيره، والخلط المتولد منه بارد رطب لا يوازي بقل خيره، إذ ليس يعرض له رداءة الاستمرار كما يعرض لسائر البقول، والبطن معه لا هو مطلق ولا هو معقول، وهو يهيج للإنسان بشهوة المأكول، وينفع من اللدغ العارض في المعدة، ومن حرقة المثانة التي هي من خلط صفراوي متولد في السعال الذي لا نفث معه، وهو من مادة رقيقة تنجلب من الرأس الدمعة، ويغزر اللبن ويذهب اليرقان، ويسكن حرارة الرأس والهذيان، ويسكن وجع الثدي، وهو دواء لاختلاف المياه والأرضين والهواء، وإن أكل بالخل سكن المرار والصداع المتولد عن صفراوي البخار، وإذا عجن بمائه دقيق الشعير سكن الورم الحار من العين، والإكثار من أكله يضعف البصر ويكسبه الغشاوة والعين والغيم، وبزره يسكن وجع الصدر ولدغة العقرب والهوام، وإذا شرب قطع شهوة الجماع والاحتلام. وفيه يقول الشاعر:
أتاني الغلام قبيل الطعام ... وقد حم جسمي بخس نضير
كقضب اللجين بأطرافها ... لمبصرها عذبان الحرير
الرجلة
وما أدراك ما الرجلة فيها حديث ضعيف بلا نزاع، (أن فيها شفاء من سبعين داء أدناه الصداع) ، (وأنه صلى الله عليه وسلم دعا لها بالبركة وحيث شاءت نبتت) . وذلك حين داوى بها قرحة برجله فبرئت، فلذلك تسميها الأطباء البقلة المباركة واللينة والحمقاء أسماء متشاركة، باردة في الثالثة رطبة في الثانية، كثيرة المنافع في الحاضرة والبادية، عظيمة البركات تمنع المواد المخلبة والنزلات، لا سيما على المرارة والحرارة مائلات، مع أنها تغير هذه المواد وتحيل منها المزاج، وكم لها من أثر حسن في العلاج، تقمع الصفراء جدا، وتبدل من الحرارة بردا وتبرد تبريدا شديدا. وهي من أنفع الأشياء كلها لمن يجد في المعدة والكبد لهيبا وتوقيدا، أكلا لها، وشربا لمائها، ووضعا على فم المعدة، وما دون الشراسيف بإزائها. وتشفي من الضرس العارض في الأسنان، ومن قرحة الأمعاء وحرقتها إذا أكلها الإنسان. ومن الفضول أن يصل إلى المعدة بالسيلان، ومن نفث الدم من الصدر والقيء والإسهال، ومن نزف النسوان ومن الأوجاع والقروح في الكلى والمثانة. وتنفع المحرورين وأصحاب الحميات الحادة وتزيد في الباه والمني والأمزجة الحارة اليابسة المادة. ومن قال أنها تضعف شهوة الجماع فهو من المبرودين بلا نزاع. وضمادها ينفع من الصداع وأورام العين وغيرها، ومن الحمرة والتهاب المعدة والمثانة وحرق النار وضيرها، وعصارتها تنفع من الحميات والبواسير وحب القرع شربا، ومن بثور الرأس وصداعه غسلا وصبا. وقد ينفع في أدوية الرحم وفي أخلاط الأكحال، وإذا حقن به غير مغلي نفع من انصباب المرة الصفراء إلى الأمعاء وأمسك ما حدث عنها من الإسهال. وبزرها ينفع من القلاع والحر في أفواه الأطفال. ويشفي من الحصا ويدر البول ويسهل طبعا، وإذا قلى أمسك الطبيعة وقوى الأمعاء. وإذا دلك بالرجلة الثأليل قلعها بالخاصية قلعا، ومن وضعها في فراشه لم يرى حلما ولا مناما وضعا. وهي في الجملة صالحة للعلاج في كل حار من الأزمان والبلدان والمزاج، غير أنها تقطع شهوة الطعام وتحدث في البصر إظلام.
البامية
وما أدراك ما البامية، باردة رطبة في الثانية وهي أرطب من سائر البقول، والدم المتولد عنها رديء الفضول، موافقة لأصحاب المزاج الحار. وغذاؤها غاية في القلة والإستندار، والتوابل الحارة تدفع ما فيها من المضار. وفيها أقول:
وبامية لها طعم لذيذ ... ومنظرها مبدع في الجمال
تحاكي وهي تزهو في رياض ... حقاق زمرد ملئت لآلي
الملوخيا
وما أدراك ما الملوخيا باردة في الأولى رطبة في الثانية تفتح سدد الكبد الوانية وترطب الصدر وتنفع من السعال، وتلين البطن وبزرتها أشد في الإسهال. وصريح كلام القانون في الترجمة عنها أن منافع
الخبازي جارية فيها لأنها نوع منها.
الخبازي
وما أدراك ما الخبازي بارد رطب في الأولى رديء للمعدة الرطبة فضولا، مغزر للبن نفاع، يفتح لسدد الكبد وينفع للقلاع، وينفع من السعال اليابس بالإغتذاء، ومن أوجاع المثانة وما بها من أذى، ويدر البول ويلين طبعا ويصلح خشونة الصدر والرئة، وبزره في ذلك أشد نفعا. وقضبانه نافع للمثانة والأمعاء وورقه إذا مضغ نيئا وضمد به العين نقى البواسير وأنبت فيها اللحم وأزال الغين، وإذا ضمد به للسع النحل والزنابير نفع، وإذا دق وخلط بزبد أو تمسح به لم يضره منها ما لسع، وإذا ضمد به مع البول أبرأ الرطبة من قروح الرأس، وإذا طبخ ودق وخلط به زيت ووضع على الجمرة وحرق النار أذهب عنها البأس، وإذا وضع وحده على الأورام سكنها أو على الدماميل فجرها وأخرج ما فيها من الأدناس، وإذا جلست النساء على طبيخه سكن صلابة الرحم والمقعدة، وإذا أضيف بزرها إلى أدوية الجفن أمال ضرر الأدوية الحادة وبرده، وإذا طبخ ورقه بأصوله نفع من لسعة الرتيلا والأدوية القتالة، وينبغي أن يشرب ويتقيأ فإنه يبرأ ذلك لا محالة. وقد قلت فيه شعرا
خبا زيات نراها ... تحكي قباب زبرجد
كثيرة النفع طبا ... مقامها فيه أمجد
تفوق في الطب حقا ... على لجين وعسجد
وهذا آخر ما قصدت إيراده ولله الحمد والمنة وأسأل الله سبحانه الغفران والجنة لي ولمؤلفه وكاتبه وقارئه وسامعه والمسلمين أجمعين عنه وكرمه.
مصادر و المراجع :
١- مقامات السيوطي
المؤلف: عبد
الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)
الناشر: مطبعة
الجوائب - قسطنطينية
الطبعة: الأولى،
1298 هـ
18 مايو 2024
تعليقات (0)