أكْرِمْ بهِ أصفَرَ راقَتْ صُفرَتُهْ . . . جوّابَ آفاقٍ ترامَتْ سَفرَتُهْ
مأثورَةٌ سُمعَتُهُ وشُهرَتُهْ . . . قد أُودِعَتْ سِرَّ الغِنى أسرّتُهْ
وقارَنَتْ نُجحَ المَساعي خطرَتُه . . . وحُبِّبَتْ إلى الأنامِ غُرّتُهْ
كأنّما منَ القُلوبِ نُقْرَتُهْ . . . بهِ يصولُ مَنْ حوَتْهُ صُرّتُهْ
وإنْ تَفانَتْ أو توانَتْ عِتْرَتُهْ . . . يا حبّذا نُضارُهُ ونَضْرَتُهْ
وحبّذا مَغْناتُهُ ونصْرَتُهْ . . . كمْ آمِرٍ بهِ استَتَبّتْ إمرَتُهْ
ومُتْرَفٍ لوْلاهُ دمَتْ حسْرَتُهْ . . . وجيْشِ همٍّ هزمَتْهُ كرّتُهْ
وبدرِ تِمٍّ أنزَلَتْهُ بدْرَتُهْ . . . ومُستَشيطٍ تتلظّى جمْرَتُهْ
أسَرّ نجْواهُ فلانَتْ شِرّتُهْ . . . وكمْ أسيرٍ أسْلمَتْهُ أُسرَتُهْ
أنقَذَهُ حتى صفَتْ مسرّتُهْ . . . وحقِّ موْلًى أبدَعَتْهُ فِطْرَتُهْ
لوْلا التُقَى لقُلتُ جلّتْ قُدرتُهْ ثم بسَط يدَهُ . بعدَما أنْشدَهُ . وقال : أنْجَزَ حُرٌ ما وعَدَ . وسَحّ خالٌ إذ رَعَدَ . فنبَذْتُ الدّينارَ إليْهِ . وقلتُ : خُذْهُ غيرَ مأسوفٍ علَيْهِ . فوضَعهُ في فيهِ . وقال : بارِك اللهُمّ فيهِ ثمّ شمّرَ للانْثِناء . بعْدَ توفِيَةِ الثّناء . فنشأتْ لي منْ فُكاهَتِه نشوَةُ غرامٍ . سهّلَتْ عليّ ائْتِنافَ اغْتِرامٍ . فجرّدْتُ ديناراً آخَرَ وقلتُ لهُ : هلْ لكَ في أنْ تذُمّهُ . ثم تضُمّهُ ؟ فأنشدَ مُرتَجِلاً . وشَدا عجِلاً :
تبّاً لهُ من خادِعٍ مُماذِقِ . . . أصْفَرَ ذي وجْهَيْنِ كالمُنافِقِ
يَبدو بوَصْفَينِ لعَينِ الرّامِقِ . . . زينَةِ معْشوقٍ ولوْنِ عاشِقِ
وحُبّهُ عندَ ذَوي الحَقائِقِ . . . يدْعو إلى ارتِكابِ سُخْطِ الخالِقِ
لوْلاهُ لمْ تُقْطَعْ يَمينُ سارِقِ . . . ولا بدَتْ مظْلِمَةٌ منْ فاسِقِ
ولا اشْمأزّ باخِلٌ منْ طارِقِ . . . ولا شكا المَمطولُ مطلَ العائِق
ِ
ولا استُعيذَ منْ حَسودٍ راشِقِ . . . وشرّ ما فيهِ منَ الخلائِقِ
أنْ ليسَ يُغْني عنْكَ في المَضايِقِ . . . إلاّ إذا فرّ فِرارَ الآبِقِ
واهاً لمَنْ يقْذِفُهُ منْ حالِقِ . . . ومَنْ إذا ناجاهُ نجْوى الوامِقِ
قال لهُ قوْلَ المُحقّ الصّادِقِ . . . لا رأيَ في وصلِكَ لي ففارِقِ
فقلتُ له : ما أغزَرَ وبْلَكَ فقال : والشّرْطُ أمْلَكُ . فنفَحتُهُ بالدّينارِ الثّاني . وقلتُ لهُ : عوّذهُما بالمَثاني . فألْقاهُ في فمِهِ . وقرَنَهُ بتوأمِهِ . وانْكفأ يحمَدُ مغْداهُ . ويمْدَحُ النّاديَ ونَداهُ . قالَ الحارِثُ بنُ همّامٍ : فناجاني قلبي بأنّهُ أبو زيدٍ . وأنّ تعارُجَهُ لِكَيدٍ . فاستَعَدْتُهُ وقلتُ له : قد عُرِفْتَ بوشْيِكَ . فاستَقِمْ في مشيِكَ . فقال : إنْ كُنتَ ابنَ هَمّامٍ . فحُيّيتَ بإكْرامٍ . وحَييتَ بينَ كِرامٍ فقلتُ : أنا الحارثُ . فكيفَ حالُك والحوادِثُ ؟ فقال : أتقلّبُ في الحالَينِ بُؤسٍ ورَخاءٍ . وأنقَلِبُ مع الرّيحَينِ زعْزَعٍ ورُخاءٍ . فقلتُ : كيفَ ادّعَيْتَ القَزَلَ ؟ وما مِثلُكَ مَن هزَلَ . فاستَسَرّ بِشرُهُ الذي كانَ تجلّى . ثمّ أنشَدَ حينَ ولّى :
تعارَجْتُ لا رَغبَةً في العرَجْ . . . ولكِنْ لأقْرَعَ بابَ الفرَجْ
وأُلْقيَ حبْلي على غارِبي . . . وأسلُكَ مسْلَكَ مَن قد مرَجْ
فإنْ لامَني القومُ قلتُ اعذِروا . . . فليسَ على أعْرَجٍ من حرَجْ
مصادر و المراجع :
١- مقامات الحريري
المؤلف: القاسم
بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري البصري (المتوفى: 516 هـ)
دار النشر: دار
الكتاب اللبناني - بيروت - 1981
الطبعة: الأولى
تعليقات (0)