أُسْ أرْمَلاً إذا عَرا . . . وارْعَ إذا المرءُ أسا
أسْنِدْ أخا نَباهَةٍ . . . أبِنْ إخاءً دَنسا
أُسْلُ جَنابَ غاشِمٍ . . . مُشاغِبٍ إنْ جلَسا
أُسْرُ إذا هبّ مِراً . . . وارْمِ بهِ إذا رَسا
أُسْكُنْ تقَوَّ فعَسى . . . يُسعِفُ وقْتٌ نكَسا
قال : فلمّا سحرَنا بآياتِه . وحسرَنا ببُعْدِ غاياتِه . مدحْناهُ حتى استَعْفى . ومنحْناهُ إلى أنِ استَكْفى . ثمّ شمّرَ ثيابَهُ . وازدَفَرَ جِرابَهُ . ونهضَ يُنشِدُ :
للهِ دَرُّ عِصابَةٍ . . . صُدُقِ المَقالِ مَقاوِلا
فاقوا الأنامَ فضائِلاً . . . مأثورَةً وفواضِلا حاورْتُهم فوجَدتُ سحْ . . . باناً لديْهِمْ باقِلا
وحللْتُ فيهِمْ سائِلاً . . . فلَقيتُ جوداً سائِلا
أقسَمْتُ لوْ كان الكِرا . . . مُ حياً لكانوا وابِلا
ثم خَطا قِيدَ رُمحَينِ . وعادَ مُستَعيذاً من الحَينِ . وقال : يا عِزّ مَنْ عدِمَ الآلَ . وكَنْزَ منْ سُلِبَ المالَ . إن الغاسِقَ قدْ وقَبَ . ووجْهَ المحجّةِ قدِ انتقَبَ . وبيْني وبينَ كِنّي ليلٌ دامِسٌ . وطريقٌ طامِسٌ . فهلْ منْ مِصباحٍ يؤْمِنُني العِثارَ . ويُبيّنُ ليَ الآثارَ ؟ قال : فلمّا جِيء بالمُلتَمَسِ . وجلّى الوجوهَ ضوءُ القبَسِ . رأيتُ صاحِبَ صيْدِنا . هوَ أبو زيدِنا . فقلتُ لأصحابي : هذا الذي أشَرْتُ إلى أنهُ إذا نطَقَ أصابَ . وإنِ استُمْطِرَ صابَ . فأتلَعوا نحوَه الأعْناق . وأحدَقوا بهِ الأحْداقَ . وسألوهُ أنْ يُسامِرَهُمْ ليلَتَهُ . على أن يجْبِروا عَيلَتهُ . فقال : حُبّاً لِما أحبَبْتُمْ . ورُحْباً بكُمْ إذا رحّبْتُمْ . غيرَ أني قصدتُكُمْ وأطْفالي يتضوّرونَ منَ الجوعِ . ويدْعونَ لي بوشْكِ الرّجوعِ . وإنِ استَراثوني خامرَهُم الطّيشُ . ولمْ يصْفُ لهمُ العيشُ . فدَعوني لأذْهبَ فأسُدَّ مَخْمَصَتَهُمْ . وأُسيغَ غُصّتَهُمْ . ثمّ أنقَلِبَ إليكُمْ على الأثَرِ . متأهّباً للسّمَرِ . إلى السّحَرِ . فقُلْنا لأحدِ الغِلْمَةِ :
اتّبِعْهُ إلى فئَتِه . ليكونَ أسرعَ لفَيْئَتِهِ . فانْطلَقَ معَهُ مضطَبِناً جِرابَه . ومُحَثْحِثاً إيابَه . فأبْطأ بُطْأَ جاوزَ حدّهُ . ثمّ عادَ الغُلامُ وحدَهُ . فقُلْنا له : ما عندَكَ من الحديث . عنِ الخبيثِ ؟ فقال : أخذَ بي في طرُقٍ مُتعِبَةٍ . وسُبُلٍ متشعّبَةٍ . حتى أفضَيْنا إلى دُوَيْرَةٍ خرِبَةٍ . فقال : هاهُنا مُناخي . ووكْرُ أفْراخي . ثمّ استَفْتَحَ بابَهُ . واختلَجَ مني جِرابَهُ . وقال : لَعمْري لقدْ خفّفْتَ عني . واستوْجَبْتَ الحُسْنى مني . فهاكَ نصيحةً هيَ منْ نفائِسِ النّصائحِ . ومغارِسِ المصالِحِ . وأنشدَ :
إذا ما حوَيْتَ جنى نخلَةٍ . . . فلا تقْرُبَنْها إلى قابِلِ
وإمّا سقَطْتَ على بيْدَرٍ . . . فحوْصِلْ من السُنبلِ الحاصِلِ
ولا تلبَثَنّ إذا ما لقَطْتَ . . . فتَنشَبَ في كفّةِ الحابِلِ
ولا توغِلَنّ إذا ما سبحْتَ . . . فإنّ السّلامةَ في الساحِلِ
وخاطبْ بهاتِ وجاوِبْ بسوْفَ . . . وبِعْ آجِلاً منكَ بالعاجلِ
ولا تُكثِرَنّ على صاحبٍ . . . فما ملّ قطُّ سوى الواصِلِ
ثم قال : اخزُنْها في تأمورِكَ . واقْتَدِ به في أمورِكَ . وبادِرْ
إلى صحْبِكَ . في كِلاءةِ ربّكَ . فإذا بلَغْتَهُمْ فأبْلِغْهُمْ تحيّتي . واتْلُ عليْهِمْ وصيّتي . وقُلْ لهُمْ عنّي : إنّ السهَرَ في الخُرافاتِ . لَمِنْ أعظمِ الآفاتِ . ولستُ أُلْغي احتِراسي . ولا أجلُبُ الهوَسَ إلى راسي . قال الراوي : فلمّا وقفْنا على فحْوى شِعرِهِ . واطّلَعْنا على نُكْرِهِ ومكرِهِ . تلاوَمْنا على ترْكِهِ . والاغتِرارِ بإفْكِهِ . ثمّ تفرّقْنا بوجوهٍ باسِرَةٍ . وصفقَةٍ خاسِرةٍ . .
مصادر و المراجع :
١- مقامات الحريري
المؤلف: القاسم
بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري البصري (المتوفى: 516 هـ)
دار النشر: دار
الكتاب اللبناني - بيروت - 1981
الطبعة: الأولى
تعليقات (0)