نُسِجَتْ على مِنوالَينِ . وتجلّتْ في لوْنَينِ . وصلّتْ إلى جِهَتَينِ . وبدتْ ذات وجهَينِ . إنْ بزغَتْ منْ مشرِقِها . فناهيكَ برَونَقِها . وإنْ طلعَتْ منْ مغرِبِها . فَيا لعَجَبِها قال : فكأنّ القومَ رُموا بالصُّماتِ . أو حقّتْ عليهِمْ كلمةُ الإنْصاتِ . فما نبَسَ منهُمْ إنسانٌ . ولا فاهَ لأحدِهِمْ لِسانٌ . فحينَ رآهُم بُكْماً كالأنْعامِ . وصُموتاً كالأصْنامِ . قال لهُمْ : قدْ أجّلتُكُمْ أجَلَ العِدّةِ . وأرخَيت لكُمْ طِوَلَ المُدّةِ . ثم هاهُنا مجمَعُ الشّمْلِ . وموقِفُ الفصْلِ . فإنْ سمحَتْ خواطرُكُمْ مدَحْنا . وإنْ صلدَتْ زِنادُكُمْ قدَحْنا . فقالوا لهُ : واللهِ ما لَنا في لُجّةِ هذا البحرِ مسبَحٌ . ولا في ساحِلِهِ مسرَحٌ . فأرِحْ أفكارَنا منَ الكدّ . وهنّئِ العطيّةَ بالنّقْدِ . واتّخِذْنا إخواناً يثِبونَ إذا وثَبْتَ . ويُثيبونَ متى استَثَبْتَ . فأطْرَقَ ساعةً . ثمّ قال : سمْعاً لكُمْ وطاعةً فاستَمْلوا مني . وانْقُلوا عني : الإنسانُ . صَنيعةُ الإحسانِ . وربُّ الجَميلِ .
فِعْلُ النّدْبِ . وشيمَةُ الحُرّ . ذخيرَةُ الحمْدِ . وكسْبُ الشُكْرِ . استِثْمارُ السّعادةِ . وعُنوانُ الكرَمِ . تباشيرُ البِشْرِ . واستِعْمالُ المُداراةِ يوجِبُ المُصافاةَ . وعقْدُ المحبّةِ يقتَضي النُصْحَ . وصِدْقُ الحديثِ . حِليةُ اللّسانِ . وفصاحَةُ المنطِقِ . سحرُ الألْبابِ . وشرَكُ الهوى . آفَةُ النّفوسِ . وملَلُ الخلائقِ . شَينُ الخلائقِ . وسوءُ الطّمعِ . يُبايِنُ الورَعَ . والتِزامُ الحَزامَةِ . زِمامُ السّلامَةِ . وتطلُّبُ المثالِبِ . شرُّ المَعايِبِ . وتتبُّعُ العثَراتِ . يُدْحِضُ المودّاتِ . وخُلوصُ النيّةِ . خُلاصةُ العطيّةِ . وتهنئةُ النّوالِ . ثمَنُ السّؤالِ . وتكلُّفُ الكُلَفِ . يسهِّلُ الخَلَفَ . وتيقُّنُ المَعونَةِ . يُسَنّي المؤونَةَ . وفضْلُ الصّدْرِ . سعَةُ الصّدرِ . وزينَةُ الرُعاةِ . مقْتُ السُعاةِ . وجَزاءُ المدائِحِ . بثُّ المَنائِحِ . ومهْرُ الوسائِلِ . تشفيعُ المسائِلِ . ومجلَبَةُ الغَوايةِ . استِغْراقُ الغايةِ . وتجاوزُ الحدّ . يُكِلّ الحدَّ . وتعدّي الأدَبِ . يُحبِطُ القُرَبَ . وتناسي الحُقوقِ . يُنشِئُ العُقوقَ . وتحاشي الرِّيَبِ . يرفَعُ الرُتَبَ . وارتِفاعُ الأخطارِ . باقتِحامِ الأخطارِ . وتنوّهُ الأقْدارِ . بمؤاتاةِ الأقْدارِ . وشرَفُ الأعْمالِ . في تقْصيرِ الآمالِ . وإطالةُ الفِكرَةِ . تنقيحُ الحِكمَةِ . ورأسُ الرّئاسةِ . تهذُّبُ السّياسَةِ . ومع اللّجاجَةِ . تُلْغى الحاجةُ . وعندَ الأوْجالِ . تتفاضَلُ الرّجالُ . وبتفاضُلِ الهِمَمِ . تتفاوتُ القِيَمُ . وبتزيُّدِ السّفيرِ . يهِنُ التّدبيرُ . وبخلَلِ الأحوالِ . تتبيّنُ الأهْوالُ . وبموجَبِ الصّبرِ . ثمَرَةُ النّصْرِ . واستِحقاقُ الإحْمادِ . بحسَبِ الاجْتِهادِ . ووجوبُ المُلاحظَةِ . كِفاءُ المُحافظَةِ . وصفاءُ الموالي . بتعهُّدِ المَوالي . وتحلّي المُروءاتِ . بحِفْظِ الأماناتِ . واختِبارُ الإخْوانِ . بتخْفيفِ الأحْزانِ . ودفْعُ الأعْداء . بكفّ الأودّاء . وامتِحانُ العُقَلاء . بمُقارَنَةِ الجُهَلاء . وتبصُّرُ العَواقِبِ . يؤمنُ المَعاطِبَ . واتّقاءُ الشُنْعَةِ . ينشُرُ السُمْعَةَ . وقُبْحُ الجَفاء . يُنافي الوَفاء . وجوهَرُ الأحْرارِ . عندَ الأسْرارِ . ثمّ قال : هذهِ مِئَتا لفظَةٍ . تحتوي على أدَبٍ وعِظَةٍ . فمَنْ ساقَها هذا المَساقَ . فلا مِراءَ ولا شِقاقَ . ومنْ رامَ عكْسَ قالَبِها . وأنْ يردّها على عقِبِها . فلْيَقُلْ : الأسْرارُ . عندَ الأحرارِ . وجوهرُ الوَفاء . ينافي الجَفاء . وقُبْحُ السُمعةِ . ينشُرُ الشُنعَةَ . ثمّ على هذا المسحَبِ فليَسْحَبْها . ولا يرْهَبْها . حتى تكونَ خاتِمَةُ فِقَرِها . وآخِرَةُ دُرَرِها : ورَبُّ الإحسانِ . صنيعَةُ الإنسانِ . قال الراوي : فلمّا صدَعَ برسالَتِه الفَريدةِ . وأُملوحَتِهِ المُفيدةِ . علِمْنا كيفَ يتفاضَلُ الإنْشاءُ . وأنّ الفضْلَ بيدِ اللهِ يؤتيهِ مَنْ يشاءُ . ثمّ اعْتَلَقَ كلٌ منّا بذَيلِه . وفلَذَ لهُ فِلذَةً من نيْلِهِ . فأبى قَبولَ فِلْذَتي . وقال : لستُ أرْزأُ تلامِذَتي . فقلتُ له : كُنْ أبا زيدٍ على شُحوبِ سَحنتِكَ . ونُضوبِ ماء وجْنتِكَ . فقال : أنا هوَ على نُحولي وقُحولي . وقشَفِ مُحولي . فأخذْتُ في تثريبِه . على تشْريقِه وتغريبِه . فحوْلَقَ واسترْجَعَ . ثمّ أنشدَ منْ قلْبٍ موجَعٍ : تِحانُ العُقَلاء . بمُقارَنَةِ الجُهَلاء . وتبصُّرُ العَواقِبِ . يؤمنُ المَعاطِبَ . واتّقاءُ الشُنْعَةِ . ينشُرُ السُمْعَةَ . وقُبْحُ الجَفاء . يُنافي الوَفاء . وجوهَرُ الأحْرارِ . عندَ الأسْرارِ . ثمّ قال : هذهِ مِئَتا لفظَةٍ . تحتوي على أدَبٍ وعِظَةٍ . فمَنْ ساقَها هذا المَساقَ . فلا مِراءَ ولا شِقاقَ . ومنْ رامَ عكْسَ قالَبِها . وأنْ يردّها على عقِبِها . فلْيَقُلْ : الأسْرارُ . عندَ الأحرارِ . وجوهرُ الوَفاء . ينافي الجَفاء . وقُبْحُ السُمعةِ . ينشُرُ الشُنعَةَ . ثمّ على هذا المسحَبِ فليَسْحَبْها . ولا يرْهَبْها . حتى تكونَ خاتِمَةُ فِقَرِها . وآخِرَةُ دُرَرِها : ورَبُّ الإحسانِ . صنيعَةُ الإنسانِ . قال الراوي : فلمّا صدَعَ برسالَتِه الفَريدةِ . وأُملوحَتِهِ المُفيدةِ . علِمْنا كيفَ يتفاضَلُ الإنْشاءُ . وأنّ الفضْلَ بيدِ اللهِ يؤتيهِ مَنْ يشاءُ . ثمّ اعْتَلَقَ كلٌ منّا بذَيلِه . وفلَذَ لهُ فِلذَةً من نيْلِهِ . فأبى قَبولَ فِلْذَتي . وقال : لستُ أرْزأُ تلامِذَتي . فقلتُ له : كُنْ أبا زيدٍ على شُحوبِ سَحنتِكَ . ونُضوبِ ماء وجْنتِكَ . فقال : أنا هوَ على نُحولي وقُحولي . وقشَفِ مُحولي . فأخذْتُ في تثريبِه . على تشْريقِه وتغريبِه . فحوْلَقَ واسترْجَعَ . ثمّ أنشدَ منْ قلْبٍ موجَعٍ :
سَلَّ الزّمانُ عليّ عضْبَهْ . . . ليَروعَني وأحَدَّ غَرْبَهْ
واستَلّ منْ جَفْني كَرا . . . هُ مُراغِماً وأسالَ غَربَهْ
وأجالَني في الأفْقِ أطْ . . . وي شرْقَهُ وأجوبُ غرْبَهْ
فبِكُلّ جوٍّ طلْعَةٌ . . . في كلّ يومٍ لي وغَرْبَهْ
وكذا المُغرِّبُ شخصُهُ . . . متغرّبٌ ونواهُ غرْبَه
ْ
ثمّ ولّى يجُرّ عِطفَيْهِ . ويخطِرُ بيَدَيْهِ . ونحنُ بين متلفّتٍ إليهِ . ومتهافِتٍ عليهِ . ثمّ لمْ نلبَثْ أن حللْنا الحِبى . وتفرّقنا أياديَ سَبا .
مصادر و المراجع :
١- مقامات الحريري
المؤلف: القاسم
بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري البصري (المتوفى: 516 هـ)
دار النشر: دار
الكتاب اللبناني - بيروت - 1981
الطبعة: الأولى
تعليقات (0)