وجارِيَةٍ في سيرِها مُشمَعِلّةٍ . . . ولكِنْ على إثْرِ المَسيرِ قُفولُها
لها سائِقٌ من جِنسِها يستَحثّها . . . على أنهُ في الإحتِثاثِ رَسيلُها
تُرى في أوانِ القَيظِ تنظُفُ بالنّدى . . . ويَبدو إذا ولّى المَصيفُ قُحولُها
ثمّ قال : وهاكُمْ يا أولي الفضْلِ . ومَراكِزَ العقْلِ . وأنشَدَ مُلغِزاً في حابولِ النّخْلِ :
ومُنتَسِبٍ إلى أمٍّ . . . تَنَشّا أصْلُهُ منْها يعانِقُها وقد كانتْ . . . نفَتْهُ بُرهَةً عنْها
بهِ يتوصّلُ الجاني . . . ولا يُلْحى ولا يُنْهى
ثمّ قال : ودونَكُمُ الخَفيّةَ العلَمِ . المُعتَكِرَةَ الظُلَمِ . وأنشدَ مُلغِزاً في القلَمِ :
ومأمومٍ بهِ عُرِفَ الإمامُ . . . كما باهَتْ بصُحْبَتِهِ الكِرامُ
لهُ إذ يرتَوي طَيْشانُ صادٍ . . . ويسكُنُ حينَ يعْروهُ الأُوامُ
ويُذْري حين يُستَسْعى دُموعاً . . . يرُقْنَ كما يروقُ الإبتِسامُ
ثمّ قال : وعلَيْكُمْ بالواضِحَةِ الدّليلِ . الفاضِحَةِ ما قيلَ . وأنشدَ مُلغِزاً في المِيلِ :
وما ناكِحٌ أُختَينِ جَهْراً وخُفيَةً . . . وليسَ عليهِ في النّكاحِ سَبيلُ
متى يغْشَ هذي يغْشَ في الحالِ هذه . . . وإنْ مالَ بعْلٌ لمْ تجِدْهُ يَميلُ
يَزيدُهُما عندَ المَشيبِ تعهّداً . . . وبِرّاً وهذا في البُعولِ قَليل
ُ
ثم قال : وهذِهِ يا أولي الألْبابِ . مِعْيارُ الآدابِ . وأنشَد مُلغِزاً في الدّولابِ :
وجافٍ وهْوَ موْصولٌ . . . وَصولٌ ليسَ بالجافي
غَريقٌ بارِزٌ فاعْجَبْ . . . لهُ منْ راسِبٍ طافِ
يسُحّ دُموعَ مهْضومٍ . . . ويهْضِمُ هَضْمَ مِتْلافِ
وتُخْشى منهُ حِدّتُهُ . . . ولكِنْ قلبُهُ صافِ قال : فلمّا رشَقَ . بالخَمْسِ التي نسَقَ . قال : يا قوْمِ تدَبّروا هذهِ الخمْسَ . واعْقِدوا عليْها الخَمْسَ . ثمّ رأيَكُمْ وضَمّ الذّيلِ . أوِ الازدِيادَ منْ هَذا الكَيْلِ قال : فاستَفزّتِ القوْمَ شهوَةُ الزّيادَةِ . على ما أُشرِبوا منَ البَلادَةِ . فقالوا لهُ : إنّ وُقوفَنا دونَ حدّكَ . ليُفْحِمُنا عنِ استِيراء زنْدِكَ . واستِشْفافِ فِرِنْدِكَ . فإنْ أتْمَمتَ عشْراً فمِنْ عِندِكَ . فاهتزّ اهتِزازَ منْ فلَجَ سهمُهُ . وانخَزَلَ خصْمُهُ . ثمّ افتَتَح النُطْقَ بالبَسمَلَةِ . وأنشدَ مُلغِزاً في المُزَمَّلَةِ :
ومَسْرورَةٍ مَغمومَةٍ طولَ دهرِها . . . وما هيَ تدري ما السُرورُ ولا الغَمُّ
تُقرَّبُ أحياناً لأجْلِ جَنينِها . . . وكمْ ولدٍ لوْلاهُ طُلّقَتِ الأمُّ
وتُبعَدُ أحياناً وما حالَ عهدُها . . . وإبعادُ من لم يَستَحِلْ عهدُه ظُلمُ
إذا قَصُرَ الليلُ استُلِذّ وصالُها . . . وإن طالَ فالإعراضُ عن وصْلِها غُنمُ
لها ملبَسٌ بادٍ أنيقٌ مبَطَّنٌ . . . بما يُزْدَرى لكنْ لِما يُزْدرى الحُكمُ
ثم كشَرَ عن أنيابِهِ الصُفْرِ . وأنشَدَ مُلغِزاً في الظُفْرِ :
ومرهوبِ الشَّبا نامٍ . . . وما يرْعى ولا يشرَبْ
يُرى في العَشْرِ دونَ النّحْ . . . رِ فاسمَعْ وصفَهُ واعْجَبْ
ثم تخازرَ تخازُرَ العِفْريتِ . وأنشَدَ مُلغِزاً في طاقَةِ الكِبريتِ :
وما مَحْقورَةٌ تُدْنى وتُقْصى . . . وما منْها إذا فكّرْتَ بُدّ
ُ
لها رأسانِ مُشتَبِهانِ جِداً . . . وكُلٌ منهُما لأخيهِ ضِدُّ
تعذَّبُ إن هُما خُضِبا وتُلغى . . . إذا عَدِما الخِضابَ ولا تُعَدّ
ثمّ تخمّطَ تخمُّطَ القَرْمِ . وأنشدَ في حلَبِ الكَرْمِ :
وما شيءٌ إذا فسَدا . . . تحوّلَ غيُّهُ رشَدا
وإنْ هوَ راقَ أوصافاً . . . أثارَ الشرّ حيثُ بَدا
زَكيُّ العِرقِ والِدُهُ . . . ولكِنْ بِئْسَ ما ولَدا
ثمّ اعتَضَدَ عَصا التَّسيارِ . وأنشَدَ مُلغِزاً في الطيّارِ :
وذي طَيشَةٍ شِقُّهُ مائِلٌ . . . وما عابَهُ بهِما عاقِلُ
يُرى أبداً فوقَ عِلّيّةٍ . . . كما يعْتَلي المَلِكُ العادِلُ
تساوَى لدَيْهِ الحَصا والنُّضارُ . . . وما يستَوي الحقُّ والباطلُ
وأعْجَبُ أوصافِهِ إنْ نظرْتَ . . . كما ينظُرُ الكَيّسُ الفاضِلُ
تَراضي الخُصومِ بهِ حاكِماً . . . وقدْ عرَفوا أنّهُ مائِلُ
قال : فظلّتِ الأفكارُ تَهيمُ في أوديةِ الأوْهامِ . وتَجولُ جوَلانَ المُستَهامِ . إلى أن طالَ الأمَدُ . وحصْحَصَ الكمَدُ . فلمّا رآهُمْ يزنِدونَ ولا سَنا . ويقْضونَ النّهارَ بالمُنى . قال : يا قومِ إلامَ تنظُرونَ . وحتّامَ تُنظَرونَ ؟ ألَمْ يأنِ لكُمُ استِخْراجُ الخَبيّ . أو استِسلامُ الغَبيّ ؟ فقالوا : تاللهِ لقدْ أعْوَصْتَ . ونصَبْتَ الشَّرَكَ فقنَصْتَ . فتحَكّمْ كيفَ شيتَ . وحُزِ الغُنْمَ والصّيتَ . ففرَضَ عنْ كلّ مُعَمًى فرْضاً . واستخلَصَهُ منهُمْ نَضّاً . ثمّ فتَح الأقفالَ . ورسمَ الأغْفالَ . وحاولَ الإجْفالَ . فاعتلَقَ بهِ مِدرَهُ القومِ . وقال لهُ : لا لُبسَةَ بعْدَ اليومِ . فاستَنْسِبْ قبلَ الانطِلاقِ . وهَبْها مُتعَةَ الطّلاقِ . فأطْرَقَ حتى قُلْنا مُريبٌ . ثمّ أنشَدَ والدمعُ مُجيبٌ :
سَروجُ مطْلِعُ شمْسي . . . وربْعُ لَهْوي وأُنسي
لكِنْ حُرِمْتُ نَعيمي . . . بها ولَذةَ نفْسي
واعْتَضْتُ عنها اغْتِراباً . . . أمَرَّ يومي وأمْسي
ما لي مقَرٌّ بأرضٍ . . . ولا قَرارٌ لعَنْسيْ
يوماً بنَجدٍ ويوْماً . . . بالشّأمِ أُضْحي وأُمسي
أُزْجي الزّمانَ بقوتٍ . . . منغّصٍ مُستَخَسّ
ولا أبيتُ وعندي . . . فلْسٌ ومَنْ لي بفَلْسِ
ومنْ يعِشْ مثلَ عيشي . . . باعَ الحياةَ ببخْسِ ثم إنّهُ اخْتَبَن خُلاصَةَ النّضّ . وندرَ ضارِباً في الأرضِ . فناشدْناهُ أن يعودَ . وأسْنَيْنا لهُ الوعودَ . فلا وأبيكَ ما رجعَ . ولا التّرغيبُ لهُ نجعَ .
مصادر و المراجع :
١- مقامات الحريري
المؤلف: القاسم
بن علي بن محمد بن عثمان، أبو محمد الحريري البصري (المتوفى: 516 هـ)
دار النشر: دار
الكتاب اللبناني - بيروت - 1981
الطبعة: الأولى
تعليقات (0)