فلما انقضى أكلنا أتينا بشراب فشرب قدحاً وشربت آخر، ثم زفر زفرةً ظننت أن أعضاءه قد نقضت وقال لي: يا أخي! إن لي نديماً، فقم بنا إليه! فقمت وتقدمني، ودخل مجلساً، فإذا قبر عليه ثوب أخضر، وفي البيت رمل مصبوب، فقعد على الرمل، وطرح لي مصلى، فقلت: والله لا قعدت إلا كما تقعد، وأقبل يردد العبرات ثم شرب كأساً وشربت وأنشأ يقول:
أطَأُ الترابَ، وأنتَ رهنُ حَفيرَة، ... هالتْ يدايَ على صَداك ترابَها.
إنّي لأعذر من مشى إن لم أطَأ ... بجفونِ عيني ما حَيِيتَ جِنَابها.
لو أنّ جَمرَ جَوَانِحي مُتَلَبِّسٌ ... بالنّارِ أطْفأ حرَّهَا وأذابَهَا.
ثم أكب على القبر مغشياً عليه، فجاءه غلام بماء فصبه على وجهه، فأفاق فشرب ثم أنشأ يقول:
اليوْمَ ثابَ ليَ السرُورُ لأنّني ... أيقَنتُ أنّي عاجلاً بكَ لاحِقُ.
فَغَداً أُقاسِمُكَ البِلى، وَيسوقُني ... طوْعاً إلَيكَ، من المَنِيّةِ، سائِقُ
ثم قال لي: قد وجبت حقي عليك فاحضر غداً جنازتي! قلت: يطيل الله عمرك. قال إني ميت لا محالة. فدعوت له بالبقاء فقال: لقد عققتني، ألا قلت:
جاور خليلَك مُسعِداً في رَمْسِه، ... كَيما يَنالُكَ في البِلى ما نالَه.
فانصرفت وطالت علي ليلتي، وغدوت فإذا هو قد مات.
مصادر و المراجع :
١- مصارع العشاق
المؤلف: جعفر بن
أحمد بن الحسين السراج القاري البغدادي، أبو محمد (المتوفى: 500هـ)
الناشر: دار
صادر، بيروت
تعليقات (0)