المنشورات

رابعة العدوية الصوفية ومنامها

أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي بقراءتي عليه قال: أخبرنا محمد بن عبد الله القطيعي قال: حدثنا الحسين بن صفوان قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد القرشي قال: حدثنا محمد هو ابن الحسين قال: حدثني عصام بن عثمان الحلبي قال: حدثني مسمع بن عاصم قال: قالت لي رابعة العدوي: اعتللت علة قطعتني عن التهجد وقيام الليل، فمكثت أياماً أقرا جزئي، إذا ارتفع النهار، لما يذكر فيه أنه بعدل بقيام الليل. قالت: ثم رزقني الله، عز وجل، العافية فاعتادني فترة في عقب العلة، وكنت قد سكنت إلى قراءة جزئي بالنهار، فانقطع عني قيام الليل. قالت: فبينا أنا ذات ليلة راقدة أريت في منامي كأني رفعت إلى روضة خضراء، ذات قصورٍ ونبت حسن، فبينا أنا أجول فيها أتعجب من حسنها، إذا أنا بطائر أخضر، وجارية تطارده كأنها تريد أخذه، قالت: فشغلني حسنها عن حسنه، فقلت: ما تريدين منه؟ دعيه، فوالله ما رأيت طائراً قط أحسن منه.
قالت: بلى، ثم أخذت بيدي فأدارت بي في تلك الروضة حتى انتهت بي إلى باب قصر فيها، فاستفتحت، ففتح لها، ثم قالت: افتحوا لي بيت لمقة، قالت: ففتح لها باب شاع منه شعاع استنار من ضوء نوره ما بين يدي وما خلفي، وقالت لي: ادخلي، فدخلت إلى بيت يحار فيه البصر تلألؤاً وحسناً، ما أعرف له في الدنيا شبيهاً أشبهه به.
فبينا نحن نجول فيه إذ رفع لنا باب ينفذ منه إلى بستان، فأهوت نحوه أنا معها، فتلقانا فيه وصفاء كأن وجوههم اللؤلؤ، بأيديهم المجامر، فقالت لهم: أين تريدون؟ قالوا: نريد فلاناً قتل في البحر شهيداً.
قالت: أفلا تجمرون هذه المرأة قالوا: قد كان لها في ذلك حظ فتركته.
قالت: فارسلت يدها من يدي، ثم أقبلت علي فقالت:
صَلاتُكِ نورٌ والعِبادُ رُقودُ ... ونوْمك ضِدٌّ للصّلاة عنيدُ.
وعمرُك غُنْم إن عقلتِ ومهلةٌ ... يسيرُ ويفنى دائماً ويبيدُ.
ثم غابت من بين عيني، واستيقظت حين تبدى الفجر، فوالله ما ذكرتها فتوهمتها إلا طاش عقلي، وأنكرت نفسي. قال: ثم سقطت رابعة مغشياً عليها.











مصادر و المراجع :

١- مصارع العشاق

المؤلف: جعفر بن أحمد بن الحسين السراج القاري البغدادي، أبو محمد (المتوفى: 500هـ)

الناشر: دار صادر، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید