المنشورات

المرقش الشاعر وأسماء

كتب إلي أبو غالب بن بشران من واسط حدثنا ابن دينار قال: حدثنا أبو الفرج محمد بن علي الأصفهاني في كتاب الأغاني قال: قال أبو عمرو، ووافقه المفضل الضبي: كان من خبر مرقش الأكبر أنه عشق ابنة عم له يقال لها أسماء بنت عوف بن مالك، علقها وهو غلام، فخطبها إلى أبيها، فقال له: لا أزوجها حتى تعرف بالناس، وهذا قبل أن يخرج ربيعة من أرض اليمن، فكان يعده فيها المواعيد، ثم انطلق مرقش إلى ملك من الملوك، وكان عنده زماناً، ومدحه، فأجازه، وأصاب عوفاً زمان شديد، فأتاه رجل من مراد أحد بني عطيف، فأرغبه في المال، فزوجه أسماء على مائة من الإبل، ثم تنحى عن بني سعد بن مالك. ورجع مرقش، فقال أخوتها: لا تخبروه إلا أنها ماتت، فذبحوا كبشاً، فأكلوا لحمه، ودفنوا عظامه، ولفوها في ملحفة، ودفنوها، فلما قدم مرقش عليهم أخبروه أنها ماتت، وأتوا به موضع القبر، فنظر إليه، وكان بعد ذلك يعتاده، ويزوره.
فبينا هو ذات يوم مضطجع، وقد تغطى بثوبه، وابنا أخيه يلعبان بكعابٍ لهما، إذ اختصما في كعب، فقال أحدهما: هذا أجدهما: هذا كعبي أعطانيه أبي من الكبش الذي دفنوه، وقالوا: إذا جاء مرقش أخبرناه أنه قبر أسماء. فكشف مرقش عن رأسه، ودعا الغلام، وقد ضني ضنىً شديداً، فسأله عن الحديث، فأخبره به، وبتزويج المرادي أسماء، فدعا مرقش وليدةً له، ولها زوج من غفيلة كان عسيفاً لمرقش، فأمرها بأن تدعو له زوجها، فدعته، وكانت له رواحل، فامره بإحضارها ليطلب المرادي، فأحضرها فركبهان ومضى في طلبه، فمرض في الطريق حتى صار لا يحمل إلا معروضاً.
وإنهما نزلا كهفاً بأسفل نجران، وهي أرض مراد، ومع الغفلي امرأته وليدة مرقش زوج الوليدة يقول لها: اتركيه، فقد هلك سقماً، وهلكنا معه جوعاً وضراً، فجعلت الوليدة تبكي من ذلك، فقال لها زوجها: إن أطعتني، وإلا فإني تاركك، وكان مرقش يكتب، وكان لأبوه دفعه وأخاه حرملة، وكانا أحب ولده إليه، إلى نصراني من أهل الحيرة، فعلمها الخط، فلما سمع مرقش قول الغفلي للوليدة كتب على مؤخر الرحل:
يا صَاحِبَيّ تَلَبّثَا لا تَعْجَلا! ... إن الرَّوَاحَ رَهِينٌ أن لا تَفْعَلا.
فَلَعَلّ لُبْثَكُمَا يُقَرِّبُ نائِياً، ... أوْ يَسْبُقُ الإسْرَاعُ شَيْئاً مُقْبِلا.
يَا رَاكِباً إمّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَا ... أنسَ بنَ سعدٍ إنْ لقيتَ وَحَرْملا.
للهِ دَرُّكُما وَدَرُّ أبِيكُمَا، ... إنْ أفْلَتَ الغَفَليُّ حَتى يُقْتَلا.
مَنْ مُبْلِغُ الأقْوَامِ أنّ مُرَقّشاً ... أضْحى على الأصْحابِ عِبئاً مُثقِلا.
وَكَأنّمَا يَرِدُ السّباعُ بشلْوِهِ، ... إذ غابَ جَمعُ بني ضُبَيعةَ مَنهَلا.
قال: وانطلق الغفلي وامرأته حتى رجعا إلى أهلهما، فقالا: مات المرقش، ونظر حرملة إلى الرحل، وجعل يقلبه. فقرأ الأبيات، فدعاهما وخوفهما، وأمرهما أن يصدقاه، ففعلا، فقتلهما، وقد كانا وصفا له الموضع، وامرهما في طلب المرقش حتى أتى المكان، فسأل عن خبره، فعرف أن مرقشاً كان في الكهف ولم يزل فيه حتى إذا هو بغنم تنزو على الغار الذي هو فيه، وأقبل راعيها إليه، فلما بصر به قال: من أنت وما شأنك؟ فقال له مرقش: أنا رجل من مراد فمن أنت؟ قال: راعي فلانن وإذا هو راعي زوج أسماء، فقال له مرقش: أتستطيع ان تكلم أسماء امرأة صاحبك؟ قال: لا، ولا أدنو منها، ولكن تأتيني جاريتها كل ليلة فأحلب لها عنزاً، فآتيها بلبنها. فقال له: خذ خاتمي هذان فإذا حلبت فألقه في اللبن فإنها ستعرفه، وإنك مصيب به خيراً لم يصبه راعٍ قط غن أنت فعلت ذلك. 
فأخذ الراعي الخاتم، فلما حلبت العنز طرح الخاتم في القدح، فانطلقت به الجارية، وتركته بين يديها، فلما سكنت رغوته، اخذته، فشربته، وكذلك كانت تصنع، فقرع الخاتم ثنيتها، فأخذته، واستضاءت به بالنار، فعرفته، فقالت للجارية: ما هذا؟ فقالت: ما لي به علم، فأرسلتها إلى مولاها، وهو في شربٍ بنجران، فأقبل فزعاً، فقال لها: لم دعوتني؟ فقالت: ادع عبدك راعي غنمك، فدعاه، فقالت: سله أين وجد هذا الخاتم؟ فقال: وجدته مع رجل في كهفي جبارٍ، فقاللي: اطرحه في اللبن الذي تشربه أسماء، فإنك تصيب به خيراً، وما أخبرني من هو، ولقد تركته في آخر رمق.
فقال زوجها: وما هذا الخاتم؟ قالت: هذا خاتم مرقش، فأعجل الساعة في طلبه، فركب فرسه وحملها على فرس وسارا حتى طرقاه من ليلته، فاحتملاه فمات عند أسماء، وقال قبل أن يموت:
سَمَا نَحْوِي خَيَالٌ من سُلَيمَى، ... فأرّقَني، وَأصْحَابي هُجُودُ.
فَبِتّ أدِيرُ أمْرِي كُلَّ حَالٍ، ... وَأذْكُرُ أهْلَهَا، وَهمُ بَعِيدُ.
عَلى أنْ قَدْ سَمَا طَرْفي لِنَارٍ، ... يُشَبّ لهَا بِذِي الأرْطَى وَقُودُ.
حَوَالَيْهَا مَهاً بِيضُ التَّرَاقي، ... وَآرَامٌ وَغِزْلانٌ رُقُودُ.
نَوَاعِمُ لا تُعَالِجُ بُؤسَ عَيشٍ، ... أوَانِسُ لا ترُوحُ، وَلا تَرُودُ.
يَرُحْنَ مَعاً بِطَاءَ المَشْيِ رُوداً، ... عَلَيْهِنّ المَجَاسِدُ وَالبُرُودُ.
سَكَنَ ببَلدَةٍ وَسكَنتُ أخرَى، ... فقُطّعتِ المَوَاثِقُ وَالعُهُودُ.
فَما بَالي أفي وَيُخانُ عَهْدِي، ... وَمَا بَالي أُصَادُ وَلا أَصِيدُ.
وَرُبّ أسِيلَةِ الخَدّينِ بِكْرٍ، ... مُنَعَّمَةِ لهَا فَرْعٌ وَجِيدُ.
وَذُو أشَرٍ شَتِيتُ النّبْتِ عَذْبٌ ... نَقِيُّ اللّوْنِ بَرَّاقٌ بَرُودُ.
لَهَوْتُ بهَا زَمَاناً في شَبَابي، ... وَزَارَتْهَا النّجَائِبُ وَالقَصِيدُ.
أُنَاساً كُلّمَا أخْلَقْتُ وَصْلاً ... عَنَاني مِنْهُمُ وَصْلٌ جَدِيدُ.
فدفن في أرض مراد.









مصادر و المراجع :

١- مصارع العشاق

المؤلف: جعفر بن أحمد بن الحسين السراج القاري البغدادي، أبو محمد (المتوفى: 500هـ)

الناشر: دار صادر، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید