المنشورات

مدرك الشيباني وعمرو النصراني

أنبأنا القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي ولقيته بمدينة النبي، صلى الله عليه وسلم، في أول سنة ست وأربعين وأربع مائة قال: أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن خرزاذ النجيرمي قال: أنشدني جعفر بن شاذان القمي أبو القاسم قال: أنشدني مدرك بن علي الشيباني له ببغداد في الجانب الغربي في عمرو بن يوحنا النصراني:
مِنْ عَاشِقٍ ناءٍ هَوَاهُ دَان، ... نَاطِقِ دَمْعٍ صَامِتِ اللّسَان.
القصيدة جميعها.
وقال أبو القاسم جعفر بن شاذان القمي: وكان عمرو بن يوحنا النصراني يسكن في دار الروم ببغداد من الجانب الشرقي، وكان من أحسن الناس صورة وأجملهم خلقاً، وكان مدرك بن علي الشيباني يهواه، وكان مدرك من أفاضل أهل الأدب والمطبوعين في الشعر، وكان له مجلس يجتمع إليه الأحداث لا غير، فإن حضره شيخ أو كهل قال له مدرك: إنه يقبح بمثلك أن يختلط بالأحداث والصبيان، فقم في حفظ الله، فيقوم.
بمَجَالِسِ العِلْمِ التي ... بكَ تَمّ جَمعُ جُموعِها.
ألاّ رَثَيتَ لمُقْلَةٍ ... غَرِقَتْ بمَاءِ دُموعِها.
بَيْني وَبَيْنَك حُرْمَةٌ، ... واللهَ في تَضْيِيعِهَا.
فقرأ الأبيات، ووقف عليها من كان في المجلس وقرأوها، واستحيا عمرو من ذلك، فانقطع عن الحضور، وغلب الأمر على مدرك، فترك مجلسه ولزم دار الروم، وجعل يتبع عمراً حيث سلك، وقال فيه هذه القصيدة المزدوجة العجيبة.
ولمدرك في عمرو أيضاً أشعار كثير، ثم خرج مدرك إلى الوسواس وسل جسمه، وذهل عقله، وانقطع عن إخوانه ولزم الفراش، فحضره جماعة، فقال لهم: ألست صديقكم القديم العشرة لكم، أفما فيكم أحد يسعدني بالنظر إلى وجه عمرو؟ فمضوا بأجمعهم إليه، وقالوا له: إن كان قتل هذا الفتى ديناً، فإن إحياءه لمروءة! قال: وما فعل؟ قالوا: قد صار إلى حال ما نحسبك ترضى به. فلبس ثيابه ونهض معهم، فلما دخلوا عليه سلم عليه عمرو وأخذ بيده وقال: كيف تجدك يا سيدي؟ فنظر إليه فأغمي عليه ساعةً ثم أفاق وفتح عينيه، وهو يقول:
أنَا في عَافِيَةٍ إ ... لاّ مِنَ الشَّوْقِ إلَيْكَا.
أيّهَا العَائِدُ مَا بي ... مِنكَ لا يَخفَى عَلَيكَا.
لا تَعُدْ جِسْماً، وَعُدْ ... قَلْباً رَهِيناً في يَدَيْكَا.
كَيْفَ لا يَهْلِكُ مَرْشُ ... قٌ بِسَهْمَي مُقْلَتَيْكا.
ثم شهق شهقةً فارق فيها الدنيا، فما برحنا حتى دفنوه.










مصادر و المراجع :

١- مصارع العشاق

المؤلف: جعفر بن أحمد بن الحسين السراج القاري البغدادي، أبو محمد (المتوفى: 500هـ)

الناشر: دار صادر، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید