المنشورات

الجارية الصوفية

أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي، حدثنا علي بن عبد الله بن الحسن الهمذاني بمكة، حدثنا محمد بن عبد الله الشكلي، حدثني محمد بن القنطري قال: قال ذو النون: بينا أنا أسير على ساحل البحر، إذ بصرت بجارية عليها أطمار شعرٍ، وإذا هي ناحلة ذابلة، فدنوت منها لأسمع ما تقول، فرأيتها متصلة الأحزان بالأشجان، وعصفت الرياح واضطربت الأمواج، وظهرت الحيتان، فصرخت، ثم سقطت إلى الأرض، فلما أفاقت نحبت، ثم قالت: سيدي! بك تقرب المتقربون في الخلوات، ولعظمتك سبحت النينان في البحار الزاخرات، ولجلال قدسك تضافقت الامواج المتلاطمات. أنت الذي سجد لك سواد الليل وبياض النهار والفلك الدوار والبحر الزخار والقمر النوار والنجم الزهار وكل شيء عندك بمقدار، لأنك الله العلي القهار:
يَا مُؤنِسَ الأبْرَارِ في خَلَوَاتِهِمْ، ... يَا خَيرَ مَنْ حَطّتْ بهِ النُّزّالُ.
مَنْ ذاقَ حُبَّكَ لا يَزَالُ مُتَيَّماً، ... قَرِحَ الفُؤادِ يَعُودُهُ بَلْبَالُ.
مَن ذاقَ حبّكَ لا يُرَى مُتَبسّماً، ... في طُولِ حُزْنٍ للحَشَا يَغتَالُ.
فقلت لها: من تريدين؟ فقالت: إليك عني، ثم رفعت طرفها نحو السماء فقالت:
أُحِبُّكَ حُبَّينِ، حُبَّ الوِدَادِ، ... وَحُبّاً لأنّكَ أهْلٌ لِذَاكَا.
فَأمّا الّذي هًوَ حُبّ الوِدَادِ، ... فَحُبٌّ شُغِلتُ به عَن سوَاكَا.
وَأمّا الّذي أنتَ أهلٌ لَهُ، ... فكَشفُك للحُجْبِ حتى أرَاكَا.
فما الحمدُ في ذا وَلا ذَاكَ لي، ... وَلكِن لك الحمدُ في ذا وَذاكَا.
ثم شهقت شهقةً، فإذا هي قد فارقت الدنيا، فبقيت أتعجب مما رأيت منها، فإذا أنا بنسوة قد أقبلن وعليهن مدارع العشر، فاحتملنها، فغيبنها عني فغسلنها، ثم أقبلن بها في أكفانها فقلن لي: تقدم فصل عليها، فتقدمت فصليت عليها، وهن خلفي. ثم احتملنها ومضين.
؟ ما بي جنون أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي الأزجي، حدثنا أبو الحسن بن جهضم.
أنشدنا محمد بن عبد الله ليحيى بن معاذ:
أمُوتُ بدائي لا أصِيبُ مُدَاوِيا، ... وَلا فَرَجاً مِمّا أرَى مِنْ بَلائِيَا.
؟ إذا كانَ دَاءَ العَبْدِ حُبُّ مَليكه، ... فمَن دُونَه يُرْجَى طبيباً مُداوِيَا.
مَعَ اللهِ يُمْضِي دَهْرَهُ مُتَلَذّذاً، ... مُطيعاً، تَرَاهُ كان، أوْ كان عاصِيَا.
يقولون يَحيى جُنّ من بعدِ صحّة، ... وما بي جُنُونٌ، يا خَليلي، ما بِيَا.
؟ رابعة العدوية ورياح القيسي
أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوزي، رحمه الله، بقراءتي عليه، أخبرنا محمد بن عبد الله ابن أخي ميمي، حدثنا الحسين بن صفوان، حدثنا عبد الله بن محمد القرشي، حدثني محمد بن الحسين، حدثني أبو معمل صاحب عبد الوارث قال: نظرت رابعة إلى رياح القيسي، وهو يقبل صبياً من أهله، ويضمه إليه، فقالت: أتحبه يا رياح؟ قال: نعم قالت: ما كنت أحسب أن في قلبك فارغاً لمحبة غيري. قال: فصاح رياح وسقط مغشياً عليه، ثم أفاق، وهو يمسح العرق عن وجهه، وهو يقول: رحمة منه، تعالى ذكره، ألقاها في قلوب العباد للأطفال.










مصادر و المراجع :

١- مصارع العشاق

المؤلف: جعفر بن أحمد بن الحسين السراج القاري البغدادي، أبو محمد (المتوفى: 500هـ)

الناشر: دار صادر، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید