قال: صدقت! تقول: أحسن الناس وآدم الناس. قلت: نعم، فليت شعري كيف أودم بينكما! قال: أخبرك كيف كان ذلك.
كنت سابع سبعة بينكما! قال: أخبرك كيف كان ذلك.
كنت سابع سبعة أخوة كلهم لو رأيتني معهم ظننتني عبداً لهم، وكان أبي وأخوتي يطرحونني، وكنت لكل عمل دنيء: للرواية مرة، ولرعاية الغنم أخرى، وكانت أخوتي هم أصحاب الإبل والخيل. فبينا أنا أرعى الإبل في عام جدب أشهب إذ ضل بعير منها، فقالوا لأبي: ابعث فلاناً يبغيه! فدعاني فقال: اذهب فاطلب هذا البعير! فقلت: ما تنصفني أنت ولا بنوك. أما إذا الإبل درت ألبانها وطاب ركوبها، فهم أصحابها، وأما إذا ندت ضلالها، فأنا باغيها. فقال: يا لكع اذهب! أما والله إني لأظنه آخر أيامك من ضرب وجيع.
قال: وظننت أني مضروب، فعدت مضطهداً مجقوراً خلق الثياب جائعاً مقروراً، فطفت ليلة في بسابس ليس بها غريب، فبت، ث م أصبحت فغدوت حافياً، حتى دفعت مساء الليلة إلى مظلة، فإذا عجوز وسيمة خليقة للخير والسؤدد، في عشية بادرة ذات صر، ومعها هذه عدسة نفسها، وهي ابنتها، فأدخلتني العجوز، وأتتني بتمر وعلقتني هذه سخرياً، وهزؤوا بي، وقالت: ما رأينا كالعشية قد فتىً أجمل منك، ولا أجكم خلقاً. فقلت: يا هذه جنبيني نفسك، فإني عن الباطل وأهله في شغل.
قالت: ويحك! هل لك أن تدخل هذا الستر علي، إذا نام الحي، فنتحدث وتمثلنا من أماثيلك هذه؟ فإنا نراها ملاحاً. فغرني إبليس، لما شبعت من القرى، ودفئت من الصلى، وجاء أبوها وأخوتها مثل السباع، واضطجعوا أمام الخيمة، وأنا فيها، فلم يزل بي القدر المحتوم حتى نهضت لألج عليها الستر، فإذا هي نائمة، فهمزتها برجلي، فانتهت وقالت: من هذا؟ قلت: الضيف. قالت: إياك، فلا حيام الله.
قال الأسدي: وهي والله تصدف حياءً من حديث زوجها صدوف المهرة العربية سمعت صلاصل لجامها. ثم قالت: لا حسن خبرك، اخرج لعنك الله!.
قال: فسقط في يدي، وعرفت أني لست في شيء، فخرجت لأهرب فزعاً مذعوراً فهاجني كليب لهم، مثل الفارس لا يطاف مرتبضه، وأرادأكلي، فأرهبته عني، ثم قالت: اذهب لا صحبك الله. فلما رجعت عاد الكلب إلي فرهقني، فجعلت أمشي القهقرى، وأرهبه لعصية معي، وهو يركبني بأجرامه، حتى شد علي شدة، فتعلقت أظفاره وأنيابه في مقدم مدرعة صوف علي، وأهويت من قبل عقبي في بئر، وهوى معي، فإذا وهو في قرارها، وقد الله تعالى، وقدر الله تعالى أنه لم يكن فيها ماء، فسمعت المرأة الوجبة، فأقبلت ومعها حبل حتى أشرفت علي، ثم أدلت الحبل فقالت: ارتق، لعنك الله! فلولا أن يقص أثري معك، غدوةً، لوددت أنها قبرك.
قال: فتعلقت بالحبل وارتقيت حتى إذا كدت أن أتناول يدها تهور بها ما تحت قدميها من البئر، وبئر، إنما هي بئر حفر لا طي لها، فإذا أنا وهي والكلب في قرارها، ينبح في ناحية، وهي تبكي في ناحية، وتدعو بالبثور والفضيحة، وأنا منقبض في ناحية فقر برد جلدي على القتل، حتى إذا أصبحت أمها تفقدتها عند الصلاة فأتت أباها، فقالت: أتعلم أن ابنتك ليست ههنا؟ فقام، وكان قائفاً عالماً بالآثار، فتحدى أثري وأثرها، حتى تطلع في البئر، فإذا نحن فيها، فرجع سريعاً، فقال لبنيه: أختكم وكلبكم وضيفكم في البئر.
قال: فتواثبوا فمن آخذ حجراً، ومن آخذ سيفاً، ومن آخذ عصا، وهم يريدون أن يجعلوا البئر قبري وقبرها. فقال أبوها: مه! فإن ابنتي ليست بحيث تظنون. قال: فنزل أحدهم، فأخرجها وأخرج الكلب ثم أخرجوني، فقال أبوهم: إنكم إن قتلتم هذا الرجل طلبتم، وإن خليتموه افتضحتم، وقد رأيت أن أزوجه إياها، فلعمري! إنه ما يطعن في نسبه، وإنه لكفؤ، ثم علي، فقال: هل فيك خير؟ فلما وجدت ريح الحياة، كأنما كان على قلبي غطاء فانكشف، قلت: وأين الخير إلا عندي؟ حكمك! قال: خمسين بكرةً وعبداً وأمةً قلت: لك ما سألت، وإن شئت فازدد. قال: قد ملكتها، فانصرفت حتى آتي أبي، فلما رآني قال: لا مرحباً، ولا أهلاً، فأين البعير؟ قلت: أربع عليك أيها الرجل تسمع الخبر، فإنما أنت محدث: كان من الأمر كيت وكيت، قال: ورويت بك زناد أبيك، إذاً والله لا تسلم ولا تخذل، علي بالإبل.
فلما جاءت قال: اعتد حاجتك، فاعتددت منهن خمسين بكرةً كأنهن العذارى، ودفع إلي عبداً وأمة مولدين، ثم ساق معي الإبل حتى أتيناهم، فدفعنا إليهم حقهم، واحتملنا صاحبتنا، وها هي هذه، جهدها أن تقول كذبت، فاعجب لذلك فعل ذهرٍ، أي أكثر العجب.
مصادر و المراجع :
١- مصارع العشاق
المؤلف: جعفر بن
أحمد بن الحسين السراج القاري البغدادي، أبو محمد (المتوفى: 500هـ)
الناشر: دار
صادر، بيروت
تعليقات (0)