المنشورات

ينشد في ظل خيمة

أخبرنا أبو عبد الله الأندلسي الحافظ من لفظه، حدثني الفقيه أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي، حدثنا القاضي أبو بكر عبد الله بن الربيع، حدثنا القالي أبو علي، حدثنا أبو بكر بن دريد، حدثنا عبد الرحمن عن عمه قال: بينا أنا سائر بناحية بلاد بني عامر، إذا برجل ينشد في ظل خيمة له، وهو يقول:
أحَقّاً، عِبادَ اللهِ، أن لَستُ ناظِراً ... إلى قَرْقَرَى يَوْماً وَأعلامِهَا الغُبرِ؟
كأنّ فُؤادِي، كُلّمَا مَرّ رَاكِبٌ، ... جَنَاحُ غُرَابٍ رَامَ نَهْضاً إلى وكرِ.
إذا ارْتَحَلَتْ نحوَ اليَمَامَةِ رِفْقَةٌ، ... دَعَاكَ الهَوَى، وَاهتَاجَ قَلبُك للذكرِ.
فَيَا رَاكِبَ الوَجنَاءِ! أبتَ مُسَلَّماً، ... وَلا زِلتَ من رَيبِ الحَوَادثِ في سترِ.
إذا ما أتَيتَ العُرْضَ، فاهتِفْ بجَوّه: ... سُقيتَ على شحطِ النوَى سَبَلَ القطرِ.
فإنّكَ مِنْ وَادٍ إليّ مُرَحَّبٍ، ... وَإن كنتَ لا تُزْدارُ إلاّ على عَفْرِ.
قال: فأذنت، وكان ندي الصوت، فلما رآني أومأ إلى فأتيته، فقال: أأعجبك ما سمعت؟ فقلت: إي والله! فقال: أمن أهل الحضارة أنت؟ قلت: نعم! قال: فمن تكوت؟ قلت: لا حاجة لك في السؤوال عن ذلك. قال: أو ما حل الإسلام الضغائن، وأطفأ الأحقاد؟ قلت: بلى! قال: فما يمنعك إذا قلت: أنا امرؤ من قيس؟ قلت: الحبيب القريب. قال: فمن أيهم؟ قلت: أحد بني سعد بن قيس، ثم أحد أعصر بن سعد. قال: زادك الله قرباً.
ثم وثب فأنزلني عن حماري، وألقى عنه إكافه، وقيده بقراب خيمته، وقام إلى زند فاقتدح وأوقد ناراً، وجاء بصيدانو، فألقى فيها تمراً، وأفرغ عليه سمناً، ثم لته حتى التبك، ثم ذر عليه دقيقاً، وقربه إلي، فقلت: إني إلى غير هذا أحوج. قال: وما هو؟ قلت: تنشدني. قال: أصبت فإني فاعل، فلقمت لقيمات وقلت: الوعد! قال: نعمى عين وأنشدني:
لَقَدْ طَرَقَتْ أُمُّ الخُشَيفِ، وَإنّها ... إذا صَرَعَ القَوْمَ الكَرَى لَطَرُوقُ.
فَيَا كَبِداً يُحمَى عليها، وَإنّها، ... مخافَةَ هَيضَاتِ النَّوَى، لخفُوقُ.
أقَامَ فَرِيقٌ مِنْ أُنَاسٍ يَوَدّهُمْ، ... بذاتِ الغَضَا، قَلبي، وَبَانَ فَرِيقُ.
بحَاجَةِ مَحْزُونٍ يَظَلّ وَقَلْبُهُ ... رَهِينٌ بِبَيضَاتِ الحِجَالِ صَدِيقُ.
تَحَمّلْنَ أنْ هَبّتْ لَهُنّ عَشِيّةً ... جَنوبٌ، وَأنْ لاحَتْ لَهُنّ بُرُوقُ.
كَأنّ فُضُولَ الرَّقْمِ حِينَ جَعَلنَها ... ضُحَيّاً على أُدْمِ الجِمَالِ عُذُوقُ.
وَفِيهِنّ مِن تَحتِ السّتَارِ تَحِلَّةٌ، ... تَكَادُ على غُرّ السّحَابِ تَرُوقُ.
هَجين، فأما الدعص عن أخرياتها ... فوعث، وأما خصرها فدقيق.













مصادر و المراجع :

١- مصارع العشاق

المؤلف: جعفر بن أحمد بن الحسين السراج القاري البغدادي، أبو محمد (المتوفى: 500هـ)

الناشر: دار صادر، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید