المنشورات

أبو ريحانة والجارية السوداء

أخبرنا الشيخ أبو بكر أحمد بن علي الشروطي بالشام، أخبرنا رضوان بن عمرو الدينوري قال: حدثنا الحسين بن جعفر العبدي قال: حدثنا أبو قتيبة سالم بن الفضل الأدمي، حدثني محمد بن موسى الشامي، سمعت الأصمعي يقول: مررت بالبصرة بدار الزبير بن العوام، فإذا أنا بشيخ أبو ولد الزبير، يكنى أبا ريحانة، على باب الزبير، ما عليه إلا شملة تستره، فسلمت عليه، وجلست إليه أحدثه، فبينا أنا كذلك إذ طلعت علينا جارية سوداء تحمل قربة، فلما نظر إليها لم يتمالك أن قام إليها ثم قال: يا ستي جمعة، غني لي صوتاً! فقالت: إن مواليّ أعجلوني. قال: لا بد من ذلك. قالت: أما والقربة على كتفي فلا. قال: فأنا أحملها. فأخذ القربة فحملها على عنقه واندفعت، فغنت:
فُؤادي أسيرٌ لا يُفكّ، ومُهجَتي ... تَقَضّى، وَأحزَاني عَلَيكَ تَطولُ
وَلي مهجَةٌ قَرْحى لطولِ اشتياقها ... إلَيكَ، وَأجفاني عَلَيكَ هُمُولُ
كَفَى حَزَناً أني أمُوتُ صَبَابَةً، ... بدائي، وَانصَارِي عَلَيكَ قَليلُ
وكُنتُ إذا ما جِئتُ جِئتُ بِعِلّةٍ، ... فأفنَيتُ عِلاّتي، فَكَيفَ أقُولُ؟
قال: فطرب الشيخ، وصرخ صرخة، وضرب بالقربة الأرض فشقها، فقامت الجارية تبكي وقالت: ما هذا جزائي منك يا أبا ريحانة، أسعفتك بحاجتك وعرضتني لما أكره من مواليّ؟ قال: لا تغتمي، فإن المصيبة علي دخلت دونك.
وأخذ بيدها واتبعته إلى السوق، فنزع الشملة، ووضع يداً من قدام ويداً من خلف، وباع الشملة، وابتاع بثمنها قربةً، وقعد على تلك الحال. ورجعت، فجلست عنده، فاجتاز به رجل من الطالبية، فلما نظر إليه وإلى حالته عرف قصته، فقال: يا أبا ريحانة! أحسبك من الذين قال الله عز وجل: " فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ". فقال: لا يا ابن رسول الله، ولكني من الذين قال الله تعالى فيهم: " فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه " فضحك منه العلوي، وأمر له بألف درهم وخلعة.












مصادر و المراجع :

١- مصارع العشاق

المؤلف: جعفر بن أحمد بن الحسين السراج القاري البغدادي، أبو محمد (المتوفى: 500هـ)

الناشر: دار صادر، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید