المنشورات

ليلى ومجنونها

أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي، أخبرنا أبو عمر بن حيويه، حدثنا ابن المرزبان، أخبرني أبو محمد البلخي، أخبرني عبد العزيز بن صالح عن أبيه عن ابن دأب، حدثني رجل من بني عامر يقال له رياح بن حبيب قال:
كان في بني عامر من بني الحريش جارية من أجمل النساء، وأحسنهن، لها عقل وأدب، يقال لها ليلى ابنة مهدي بن ربيعة بن الحريش، فبلغ المجنون خبرها، وما هي عليه من الجمال والعقل، وكان صباً بمحادثة النساء، فعمد إلى أحسن ثيابه، فلبسها وتهيأ بأحسن هيئة، وركب ناقةً له كريمة، وأتاها، فلما جلس إليها وتحدث بين يديها، أعجبته، ووقعت بقلبه. فظل يومه يحدثها وتحدثه حتى أمسى، فانصرف، فبات بأطول ليلة من الليلة الأولى، وجهد أن يغمض، فلم يقدر على ذلك، فأنشأ يقول:
نَهارِي نَهارُ النّاسِ، حَتى إذا بَدَا ... ليَ اللّيلُ هَزّتْني إلَيكِ المَضَاجِعُ
أُقَضّي نَهارِي بالحَديثِ، وَبالمُنى ... وَيَجمَعُني وَالهَمَّ، باللّيلِ، جَامعُ
وأدام زيارتها، وترك إتيان كل من كان يأتيه، فيتحدث إليه غيرها، وكان يأتيها كل يوم فلا يزال عندها نهاره أجمع، حتى إذا أمسى انصرف.
وإنه خرج ذات يوم يريد زيارتها، فلما قرب من منزلها لقيته جارية عسراء، فتطير من لقائها فأنشأ يقول:
وكيفَ ترَجّي وَصْلَ ليلى، وَقد جَرَى ... يجدُّ القُوَى من لَيلَ أعسرُ حاسرُ
صَديعُ العَصَا جدبُ الزّمانِ إذا انتَحى ... لوَصلِ امرِئٍ لم يُقضَ منه الأوَاطرُ
ثم صار إليها من غدٍ، فلم يزل عندها. فلما رأت ليلى ذلك منه وقع في قلبها مثل الذي وقع لها في قلبه، فجاء يوماً كما كان يجيء، فأقبل يحدثها، وجعلت هي تعرض عنه بوجهها وتقبل على غيره، كل ذلك تريد أن تمتحنه، وتعلم ما لها في قلبه، فلما رأى ذلك منها اشتد عليه، وجزع حتى عرف ذلك فيه، فلما خافت عليه، أقبلت كالمشيرة إليه، فقالت:
كِلانَا مُظهِرٌ للنّاسِ بُغضاً، ... وكلٌّ عندَ صَاحِبِهِ مَكينُ
فسري عنه، وعلم ما في قلبها، وقالت له: إنما أردت أن أمتحنك، والذي لك عندي أكثر من الذي لي عندك، وأنا معطية الله عهداً إن أنا جالست بعد هذا يومي رجلاً سواك حتى أذوق الموت، إلا أن أكره على ذاك. قال: فانصرف في عشيته، وهو أسر الناس بما سمع منها، فأنشأ يقول:
أظُنّ هَوَاهَا تَاركِي بِمَضَلّةٍ ... من الأرْضِ، لا مالٌ لديّ، وَلا أهلُ
وَلا أحَدٌ أُفضِي إلَيْهِ وَصِيّتي، ... وَلا وَارِثٌ إلا المَطِيّةُ وَالرّحلُ
مَحا حُبّها حُبَّ الأُلَى كُنّ قبلَها ... وَحلّت مكاناً لم يكن حُلّ من قبلُ









مصادر و المراجع :

١- مصارع العشاق

المؤلف: جعفر بن أحمد بن الحسين السراج القاري البغدادي، أبو محمد (المتوفى: 500هـ)

الناشر: دار صادر، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید