المنشورات

عبد الملك والغلام العاشق

أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، رحمه الله تعالى، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الرحيم المازني، حدثنا أبو علي الحسين بن القاسم بن جعفر الكوكبي، حدثنا الكديمي أبو العباس، أخبرنا السلمي عن محمد بن نافع مولاهم عن أبي ريحانة أحد حجاب عبد الملك بن مروان قال: كان عبد الملك يجلس في كل أسبوع يومين جلوساً عاماً، فبينا هو جالس في مستشرف له، وقد أدخلت عليه القصص، إذ وقعت في يده قصةٌ غير مترجمة، فيها: إن رأى أمير المؤمنين أن يأمر جاريته فلانة تغنيني ثلاثة أصوات ثم ينفذ في ما شاء من حكمه. فاستشاط من ذلك غضباً، وقال: يا رباح علي بصاحب هذه القصة. فخرج الناس جميعاً، وأدخل عليه غلام من أجمل الفتيان وأحسنهم، فقال له عبد الملك: يا غلام! أهذه قصتك؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين! قال: ومائتين الذي غرك مني؟ والله لأمثلن بك، ولأردعن بك نظراءك من أهل الخسارة. علي بالجارية! فجيء بها كأنها فلقة قمر، وبيدها عود، فطرح لها الكرسي، فجلست، فقال عبد الملك: مرها يا غلام! فقال لها: غنيني يا جارية بشعر قيس بن ذريح:
لقد كنتِ حسبَ النفسِ لوْ دامَ وِدُّنا، ... وَلَكِنَّمَا الدُّنْيَا مَتَاعَ غُرُورِ
وَكنّا جميعاً قَبلَ أنْ يَظهَرَ الهَوَى ... بِأنْعَمِ حَالَيْ غِبْطَةً وَسُرُورِ
فَمَا بَرِحَ الوَاشُونَ حَتى بَدَتْ لَنَا ... بُطُونُ الهَوَى مَقْلُوبَةً لِظُهُورِ
فغنت، فخرج الغلام بجميع ما كان عليه من الثياب تخريقاً، ثم قال له عبد الملك: مرها تغنك الصوت الثاني! فقال: غنيني بشعر جميل:
ألا لَيتَ شِعري هَلْ أبِيتَنَّ لَيلَةً ... بِوَادي القُرَى إني إذاً لَسَعيدُ
إذا قلتُ ما بي يا بُثيَنَةُ قَاتِلي ... من الحُبِّ قالت: ثابتٌ ويَزيدُ
وَإن قلتُ رُدي بعض عقلي أعش به ... معَ النّاسِ قالت: ذاكَ منك بَعيدُ
فَلا أنا مَرْدُوْدٌ بما جِئتُ طالِباً، ... وَلا حُبُّهَا فِيما يَبيدُ يَبيدُ
يَموتُ الهَوَى مني إذا ما لَقيتُها، ... وَيَحيَا إذا فارَقتُها، فَيَعُودُ
قال: فغنته الجارية، فسقط الغلام مغشياً عليه ساعةً، ثم أفاق، فقال له عبد الملك: مرها فلتغنك الصوت الثالث! فقال: يا جارية غنيني بشعر قيس بن الملوح المجنون:
وَفي الجيرَة الغادينَ من بَطنِ وَجرَةٍ ... غَزَالٌ غَضيضُ المُقلَتينِ رَبيبُ
فَلا تَحسَبي أنَّ الغَريبَ الذي نأى ... وَلَكِنَّ مَن تَنأينَ عَنهُ غَرِيبُ
فغنته الجارية، فطرح الغلام نفسه من المستشرف فلم يصل إلى الأرض حتى تقطع، فقال عبد الملك: ويحه لقد عجل على نفسه، ولقد كان تقديري فيه غير الذي فعل، وأمر، فأخرجت الجارية من قصره، ثم سأل عن الغلام، فقالوا: غريب لا يعرف إلا أنه منذ ثلاث ينادي في الأسواق ويده على رأسه:
غداً يكثُرُ الباكونَ مِنّا وَمِنكُمُ، ... وَتَزْدادُ دارِي من دِيارِكُمُ بُعدا










مصادر و المراجع :

١- مصارع العشاق

المؤلف: جعفر بن أحمد بن الحسين السراج القاري البغدادي، أبو محمد (المتوفى: 500هـ)

الناشر: دار صادر، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید