المنشورات

القاضي المدنف

وأخبرنا الجازري، حدثنا المعافى، حدثنا محمد بن الحسن بن زياد المقري، حدثنا أحمد بن الصلت قال: كان حمدان البرتي على قضاء الشرقية، فقدمت امرأة طقطق الكوفي زوجها إليه، وادعت عليه مهراً أربعة آلاف درهم، فسأله القاضي عما ذكرت، فقال: أعز الله القاضي، مهرها عشرة دراهم. فقال لها البرتي: أسفري، فسفرت حتى انكشف صدرها، فلما رأى ذلك قال لطقطق: ويحك! مثل هذا الوجه يستأهل أربعة آلاف دينار ليس أربعة آلاف درهم، ثم التفت إلى كاتبه، فقال له: ما في الدنيا أحسن من هذا الشذر على هذا النحر.
فقال له طقطق: فديتك إن كانت قد وقعت في قلبك طلقتها. فقال له البرتي: تهددها بالطلاق، وقد قال الله: عز وجل: " فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها "، وإن ههنا ألفاً ممن يتزوجها. فقال طقطق: فإني، والله،ما قضيت وطري منها، وأنا طقطق لست بزيد. فأقبل البرتي على المرأة، فقال: يا حبيبتي! ما أدري كيف كان صبرك على مباضعة هذا البغيض، ثم أنشأ يقول:
تَرَبّصْ بها رَيبَ المَنونِ، لَعَلّهَا ... تُطَلّقُ يَوْمَاً، أوْ يموتَ حَليلُها
فقام طقطق، وتعلق به وصيف غلام البرتي، فصاح به: دعه يذهب عنا إلى سفر، ثم قال لها: إن لم يصر لك إلى ما تريدين فصيري إلى امرأة وصيف حتى تعلمني، وأضعه في الحبس.
وكتب صاحب الخبر ما كان، فعلق به البرتي، وصانعه على خمسمائة دينار على أن لا يرفع الخبر بعينه، ولكن يكتب أن عجوزاً خاصمت زوجها، فاستغاثت بالقاضي، فقال لها: ما أصنع يا حبيبتي! هو حكم ولا بد أن أقضي بالحق.
وانصرف البرتي متيماً، فما زال مدنفاً يبكي ويهيم فوق السطوح، ويقول الشعر: فكان مما يقوله:
وَاحَسرَتي عَلى مَا مَضَى، ... لَيْتَني لضمْ أعرِفِ القَضَا
أحبَبتُ أمراً وَخِفتُ اللهَ حَقّاً ... فَمَا تَمّ حَتى انقَضَى
وغير ذلك من شعر لا وزن له ولا روي إلا أنه ارعوى ورجع.












مصادر و المراجع :

١- مصارع العشاق

المؤلف: جعفر بن أحمد بن الحسين السراج القاري البغدادي، أبو محمد (المتوفى: 500هـ)

الناشر: دار صادر، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید