المنشورات

معاملة العدو

واعلم أنّ أصل ما أنت مستظهر به على عدوّك ثلاث خلال:
أشرفها: أن تأخذ عليه بالفضل وتبتدئه بالحسنى، فتكون عليه رحمة ولنفسك ناظرا؛ فإنّ كثرة الأعداء تنغيص للسّرور، وقد قال الله تبارك وتعالى:
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.
فإن كان عدوّك مما لا يصلح على ذلك فحصّن عنه أسرارك، وعمّ عليه آثار تدبيرك، ولا يطّلعنّ على شيء من مكايدتك له بقول ولا فعل، فيأخذ حذره، ويعرف مواضع عوارك، فإنّ تحصين الأسرار أخذ بأزمّة التدبير، والإكثار من الوعيد للاعداء فشل. ولكن داج عدوّك ما داجاك، وأحص معايبه ما لا حاك.
وقال الشاعر:
كلّ يداجي على البغضاء صاحبه ... زكنت منهم على مثل الذي زكنوا
واعلم أنّ أعظم أعوانك عليه الحجج [ثم الفرصة] ، ثم لا تظهرن عليه حجّة، ولا تهتبل منه غرّة، ولا تطلبنّ له عثرة، ولا تهتكنّ له سترا [إلّا] عند الفرصة في ذلك كلّه، وفي المواضع التي يجب لك فيها العذر ويعظم فيها ضرره، إن كان العفو عنه شرّا له.
وإن كان ممن يظهر لك العداوة ويكشف لك قناع المحاربة، وكان ممن أعياك استصلاحه بالحلم والأناة، فلتكن في أمره بين حالين: استبطان الحذر منه، والاستعداد له وإظهار الاستهانة [به] . ولست مستظهرا عليه نفسك من الأدناس، وبراءتك من المعايب.
فلتكن هذه سيرتك في أعدائك.
واعلم أنّ إشاعة الأسرار فساد في كلّ وجه من الوجوه، من العدوّ والصديق. وقد روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «استعينوا على الحوائج بسترها؛ فإنّ كلّ ذي نعمة محسود» .
وإذا أفشيت سرّك فجاءت الأمور على غير ما تقدّر كان ذلك منك فضلا من قولك على فعلك. وقد قيل في الأمثال: «من أفشى سرّه كثر المتآمرون عليه» .
فلا تضع سرّك إلّا عند من يضرّه نشره كما يضرّك، وينفعه ستره بحسب ما ينفعك.














مصادر و المراجع :

١- الرسائل السياسية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید