الصداقة
ولعمري ما يكاد ذلك يجيء إلّا في أقلّ الأمور، [وما كثر مجيء السّلامات إلّا لمن أتى الأمور] من وجوهها وإنما الأشياء بعوامّها. فلا تكونن لشيء ممّا في يدك أشدّ ضنّا، ولا عليه أشدّ حدبا، منك بالأخ الذي قد بلوته في السّرّاء والضّرّاء، [فعرفت مذاهبه] وخبرت شيمه، وصحّ لك غيبه، وسلمت لك ناحيته؛ فإنما هو شقيق روحك وباب الرّوح إلى حياتك، ومستمدّ رأيك وتوأم عقلك. ولست منتفعا بعيش مع الوحدة. ولا بدّ من المؤانسة، وكثرة الاستبدال تهجم بصاحبه على المكروه. فإذا صفا لك أخ فكن به أشد ضنّا منك بنفائس أموالك، ثمّ لا يزهّدنّك فيه أن ترى منه خلقا أو خلقين تكرههما؛ فإنّ نفسك التي هي أخصّ النفوس بك لا تعطيك المقادة في كلّ ما تريد، فكيف بنفس غيرك! وبحسبك أن يكون لك من أخيك أكثره، وقد قالت الحكماء: «من لك بأخيك كلّه» ، و «أيّ الرّجال المهذّب» .
مصادر و المراجع :
١- الرسائل السياسية
المؤلف: عمرو بن
بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى:
255هـ)
الناشر: دار
ومكتبة الهلال، بيروت