المنشورات

خصال هاشم

فصل منه:- قد قلنا في الخصال التي بانت بها قريش دون العرب، ونحن ذاكرون- وبالله التوفيق- الخصال التي بانت بها بنو هاشم دون قريش.
فأوّل ذلك النبوّة، التي هي جماع خصال الخير، وأعلاها وأفضلها، وأجلّها وأسناها.
ثمّ وجدنا فيهم ثلاثة رجال بني أعمام في زمان واحد، كلّهم يسمّى عليّا، وكلّ واحد من الثّلاثة سيّد فقيه، عالم عابد، يصلح للرّياسة والإمامة؛ مثل عليّ بن عبد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب بن هاشم، وعليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم، وعليّ ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم.
ثمّ وجدنا ثلاثة رجال بني أعمام، في زمان واحد، كلّهم يسمّى محمّدا، وكلّهم سيّد وفقيه عابد، يصلح للرياسة والإمامة، مثل محمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس بن عبد المطلب بن هاشم، ومحمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلّب بن هاشم، ومثل محمّد بن عبد الله بن جعفر إبن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم.
وهذا من أغرب ما يتهيّا في العالم، ويتّفق في الأزمنة، وهذه لا يشركهم فيها أحد، ولا يستطيع أن يدّعي مثلها أحد.
ولبني هاشم واحد؟؟؟ رّزة، وثانية نادرة، يتقدّمون بها على جميع الناس. وذلك أنّا لا نعرف في جميع مملكة العرب، وفي جميع مملكة العجم؛ وفي جميع الأقاليم السّبعة، ملكا واحدا ملكه من نصاب واحد، وفي مغرس رسالة، إلّا من بني هاشم، فإنّ ملكهم العبّاس بن عبد المطلب، عمّ رسول الله- صلّى الله عليه وسلم، والعمّ وارث، والعمّ أبّ، ولا نعلم أمّة تدّعي مثل هذا لملكها.
وهذا شيء سمعته من أبي عبيدة، ومنه استمليت هذا المعنى.
ولبني هاشم- مذ ملكوا هذه الدّفعة- دون أيّام عليّ بن أبي طالب والحسين إبن عليّ إلى يومنا هذا مائة وستّ عشرة سنة، كان أوّل بركتهم أن الله- تعالى- رفع الطّواعين والموتان الجارف، فإنّهم كانوا يحصدون حصدا بعد حصد.
ثمّ الذي تهيّأ واتّفق، وخصّ به آل أبي طالب من الغرائب والعجائب والفضائل، ما لم نجده في أحد سواهم: وذلك أنّ أوّل هاشميّ هاشميّ الأبوين كان في الدنيا ولد لأبي طالب، لأنّ أباهم عبد مناف. وهو أبو طالب إبن شيبة- وهو عبد المطّلب- بن هاشم- وهو عمرو- وهو أبو شيبة. وشيبة هو عبد المطّلب. وهو أبو الحارث وسيّد الوادي غير مدافع، بن عمرو، وهو هاشم إبن المغيرة، وهو عبد مناف.
ثم الذي تهيّأ لبني أبي طالب الأربعة: أنّ أربعة إخوة كان بين كلّ واحد منهم وبين أخيه في الميلاد عشر سنين سواء، وهذا عجب.
ومن الغرائب التي خصّوا بها، أعني ولد أبي طالب، أنّا لا نعلم الإذكار في بلد من البلدان، وفي جيل من الأجيال، [إلّا] أهل خراسان فمن دونهم، فإنّ الإذكار فيهم فاش؛ كما أنّك لا تجد من وراء بلاد مصر إلّا مثناثا، ثم لا ترى فيهنّ مفذّا، بل لا ترى إلّا الثؤام ومن البنات.
فتهيّا في آل أبي طالب من الإذكار ما لم نعرفه في قديم الدهر وحديثه، ولا فيما قرب من البلدان ولا فيما بعد.
وذلك أنّ آل أبي طالب أحصوا منذ أعوام وحصّلوا، فكانوا قريبا من ألفين وثلاثمائة، ثم لا يزيد عدد نسائهم على رجالهم إلّا دون العشر. وهذا عجب.
وإن كنت تريد أن تتعرّف فضل البنات على البنين، وفضل إناث الحيوانات على ذكورها، فابدأ فخذ أربعين ذراعا عن يمينك، وأربعين ذراعا عن يسارك، وأربعين خلفك، وأربعين أمامك، ثم عدّ الرّجال والنّساء حتّى تعرف ما قلنا، فتعلم أنّ الله تعالى لم يحلّل للرّجل الواحد من النّساء أربعا ثم أربعا، متى وقع بهن موت أو طلاق، ثم كذلك للواحد ما بين الواحدة من الإماء إلى ما يشاء من العدد، مجموعات ومفترقات، لئلا يبقين إلّا ذوات أزواج.
ثم انظر في شأن ذوات البيض وذوات الأولاد فإنّك سترى في دار خمسين دجاجة وديكا واحد، ومن الإبل الهجمة وفحلا واحدا، ومن الحمير العانة وعيرا واحدا. فلمّا حصلوا كل مئناث وكلّ مذكار، فوجدوا آل أبي طالب قد برعوا على الناس وفضلوهم، عرف الناس موضع الفضيلة له والخصوصيّة.
وفي ولد أبي طالب- أيضا- أعجوبة أخرى، وذلك أنّه لم يوجد قطّ في أطفالهم طفل يحبو، بل يزحف زحفا لئلا ينكشف منه عن شيء يسوءه. ليكون أوفر لبهائه، وأدلّ على ما خصّوا به.
ولهم من الأعاجيب خصلة أخرى: وذلك أنّ عبيد الله بن زياد قتل الحسين في يوم عاشوراء، وقتله الله يوم عاشوراء في السّنة الأخرى.
وقالوا: لا نعلم موضع رجل من شجعان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، كان له من عدد القتلى ما كان لعليّ رضوان الله عليه، ولا كان لأحد مع ذلك من قتل الرّؤساء والسّادة، والمتبوعين والقادة، ما كان لعليّ بن أبي طالب. وقتل رئيس واحد، وإن كان دون بعض الفرسان في الشّدّة، أشدّ؛ فإنّ قتل الرئيس أردّ على المسلمين وأقوى لهم من قتل الفارس الذي هو أشدّ من ذلك السيّد.
وأيضا- أنّه قد جمع بين قتل الرّؤساء وبين قتل الشّجعان.
وله أعجوبة أخرى؛ وذلك أنّه مع كثرة ما قتل وما بارز، وما مشى بالسيف إلى السّيف، لم يخرج قطّ ولا جرح إنسانا إلّا قتله، ولا نعلم في الأرض متى ذكر السّبق في الإسلام والتّقدّم فيه، ومتى ذكر الفقه في الدّين، ومتى ذكر الزّهد في الأموال التي تشاجر النّاس عليها، ومتى ذكر الإعطاء في الماعون، كان مذكورا في هذه الحالات كلّها- إلّا عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه.
قالوا: وكان الحسن يقول: قد يكون الرجل عالما وليس بعابد، وعابدا وليس بعالم، وعابدا وليس بعاقل، وعاقلا وليس بعابد. وسليمان ابن يسار عالم عاقل عابد، فانظر أين تقع خصال سليمان من خصال عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه.
ولم يكن قصدنا في أوّل هذا الكتاب إلى ذكر هاشم، وقد كان قصدنا الإخبار عن مكّة بما قد كتبناه في صدر هذا الكتاب، ولكنّ ذكر خصال مكّة جرّ ذكر خصال قريش، وذكر خصال قريش جرّ ذكر خصال بني هاشم.
فإن أحببت أن تعرف جملة القول في خصال بني هاشم فانظر في كتابي هذا الذي فرّقت فيه بين خصال بني عبد مناف وبين بني محزوم، وفرّقت ما بين عبد شمس؛ فإنّه هناك أوفر وأجمع، إن شاء الله تعالى.












مصادر و المراجع :

١- الرسائل السياسية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید