المنشورات

لا وجه للمقارنة بين علي ومعاوية

خبّرني أيّ شيء نفيت لعلي بن أبي طالب من الفضل، وأيّ شيء نفيت على معاوية من النقص حتّى وضعت الخيار بينهما وأقررت الشبهة في أمرهما من غير إكراه ولا إحلال عذر؟ فمن أعجز رأيا ممّن زعم [أنّ ... ] أفضل من سمرة وأنّ سحبان أخطب من باقل، وأن زيادا أدهى من هبنقة، وأنّ أبا ذرّ أصدق من مسيلمة، وأنّ الجالينوس أطبّ من أبي دينار! وهل ذلك إلّا في مجرى من قال: «أيّما أصدق: المسيح بن مريم أو المسيح الدجال؟» ، وهل ذلك إلّا كقول القائل: «أيّما أحلى: العسل أم الخل؟» وليس للخلّ حظ في الحلاوة.
قلنا: فكيف تزعم أنّ عليّا أولى بالإمامة من معاوية وليس لمعاوية في الإمامة حظّ؟ ولقد عجبت فطال تعجبي وشنّعت فاشتدّ تشنيعي على النجاشي حيث يقول بفخره على معاوية بعليّ:
نعم الفتى أنت، إلّا أنّ بينكما ... كما تفاضل قرن الشّمس والقمر
فمن هذا الذي يقرّ بانه ليس بين عليّ ومعاوية في الفضيلة واستحقاق الإمامة إلّا بقدر ما بين الشمس والقمر؟ بل نجعل لمعاوية في ذلك حظّا ونصيبا، إلّا أن نريد مزيد الفرق بين هاشم وعبد شمس، وبين عبد المطلب وحرب، وأبي طالب وأبي سفيان؛ ونذهب إلى البيان والفصاحة، والفصاحة ممّا قد يتفاضل فيه البرّ والفاجر ويتساوى فيه الجاهليّ والإسلاميّ؛ وإن أردتّ معرفة ذلك فانظر في كتابي الذي فرقت فيه بين قبائل قريش وميزت فيه بني عبد مناف وبيّنت فيه من فضل هاشم وأظهرت فيه جمال عبد المطلب.
أو لست، يا ابن حسّان، قد أطمعته في التمثيل بينهما وأقررت بالحاجة إلى تمييز حاليهما، وقد علمنا أنّ الله- تعالى قدره- قد قال: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ
؛ وقال: أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ
؛ وليس ذلك في موضع الخيار وتمييز الحال من الحال ولا على الموازنة بين أتمّ الخيرين؛ [فلولا] اتقاء الله قلت مقالة تسير مع الركّبان [أفردها] بعليّ؛ وإنّ الرّبيع إبن زياد قال:
عمارة الوّهاب خير من علس ... وزرعة النسا (؟) شر من أنس
وأنا خير منك يا قتب الفرس
وإنما هذا على معنى قول عليّ لأجناده، وكخطبته على أصحابه عند استبطائه إيّاهم وتأنيبه لهم: «أبدلني الله بكم من هو خير لي منكم وأبدلكم بي من هو شرّ لكم منّي» ؛ والكلمة تكون جوابا فتدلّ على معنى، ثمّ تكون ابتداء فتدلّ على خلاف ذلك المعنى، وتدور دلالتها مع ظاهر الحالات على قدر ما يسبق من المثالات حتى تكون الكلمة كفرا في حال وإيمانا في حال. 
فكذلك المجاز والتصحيح، والتقريب والتبعيد، والارتجال والتحرير، والكناية والإفصاح، والتعقيد والإسجاح، والخطل والإيجاز، والإفهام والإلغاز، والمعاريض والكنى والاستكراه والهذّ، وغير ذلك من أشكال الكلام وحدوده وصوره وأقسامه ودلائله؛ وقد قال كثير:
فهلّا فداك الموت من كل ريبة ... ومن هو أسوأ منك ذلّا وأقبح
وقال حسّان بن ثابت في بعض ما يصرخ وينافح عن النبي صلى الله عليه وسلّم:
أتهجوه ولست له بكفء ... فشركما لخيركما الفداء؟
وسمع أعرابيّ رجلا يقول: «الشحيح أعذر من الظالم» - فقال: «أخزى الله أمرين خيرهما الشحّ! وعتبت عليك في معاونة إبراهيم بن الحسن على ترك القنوت في مسجد ابن رغبان ومحلّة البصريين وزاد في التعجّب منك والإنكار عليك تخذيل خالد الأزلية، [....] عنه خبّرني، حدّثني [عن] غدرك إيّاه؛ فأنت معتزليّ نظامي:
فكانت محاباة خالد على نصيبه من مذهب البصريّين من القنوت- وليس القنوت من دينه- أوفر من محاباتك على نصيبك من مذهب المعتزلة في القنوت- وهو من دينك؛ وقد علمنا أنّ الذي بناه من ماله وأوقف عليه الغلّات لنوابته بصريّ ابن بصريّ ثمّ معتزليّ؛ على ذلك اشترى الأرض ووضع الأساس وشيّد البنيان وكتب عليه إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ
، وهو الفضيل بن عبد الرحمن مولى بني سدوس؛ ولم يزل المسجد يقنت فيه الجبريّ كما يقنت فيه المعتزلي العدليّ، ويقنت فيه النابتيّ كما يقنت فيه المعتزليّ ومن صلّى فيه، حتى عرضت فيه بما دلّ خالدا- بزعمه- على رقّة دينك وسخافة عقلك وحلمك وانفساخ عقدك وسوء المحافظة على نحلتك، غير مكترث لما نال عرضك وغير محتفل بما ثلم دينك وساء وليّك وسرّ عدوّك.












مصادر و المراجع :

١- الرسائل السياسية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید