المنشورات
كفر معاوية في ادعاء أخوة زياد بن أبيه
والباب الآخر الذي عتبت عليك فيه، وهو زعمك ان معاوية قد ضلّ من وجوه وكفر من وجوه، فأخطأت في إكفاره ولم تصب الحقّ في تفسير بعض الوجوه؛ زعمت أنه كفر في حكمه بادّعاء زياد بن أبي سفيان وأن من جعل الولد للعاهر وجعل الحجر للفراش ومن ردّ الحكم المنصوص وبدّل هذا القول المفسّر فقد كفر؛ وهذا منك سرف وبعد، وهو شبيه بمذهب أصحاب التكلّف والتزّيد ومن يريد [ب] العفن الذي في نفسه والذلّة التي يجدها في قلبه والريبة التي تشتمل عليها أضلاعه أن يذلّ من حضره ويوهم من سمع كلامه، أنّه إنما يكفر من أكفر من فرط في تعظيمه لحرمات الله ومن شدّة غضبه على من عصى الله؛ وعهدي بك تشنع بذلك على العمريّة والرافضة وعلى الخوارج والبكريّة.
ولو كان معاوية صنع ما تقول على ما فسّرت ورد المنصوص على ما ذكرت، لكان جلّة السابقين وكبراء والتابعين وفقهاء المحدّثين قد سبقوك إلى إكفاره وتشريكه، بل كان أعداؤه وأهل الخلاف عليه قد أكفروه وسبقوا إلى ذلك فيه، فان زعمت أنه قد كان عند غالية الشيّع وعند جميع الخوارج كافرا، قلنا:
لعمري، لو كانوا لا يكفرونه على خصال كثيرة ولا ترى أنت وأصحابك أنه قد كفر من أجلها، ثم اكفروه على هذه الخصلة، لكان في ذلك متعلّق لهم ومصاب ومجال ومسبح؛ ولكن الفريقين جميعا يكفرانه على جميع خصاله التي أنت لا ترى بعضها إثما، فضلا عن أن تكون [عندك] فسقا، ولا تراها فسقا، فضلا عن ان تكون عندك كفرا.
ثمّ اعلم أنّه لا بدّ لك من الخبر على تأثيم من ترك إكفاره، بل على إكفار من ترك إكفاره، إذ كان إنما كفره بردّ المنصوص وما لا يحتمل التأويل؛ وأمّا أن تجرأ أن تدعّي عليهم من إكفاره خلاف ما ثبتت به الشهادة عنهم وخلاف المعروف من قولهم، فلو كان كذلك لكا [ن] الخبر به مشهورا ولكان معروفا مستفيضا؛ بل ينبغي أن يكون قد كان ثبت عنده أن وطيا قد كان، ورأى فيه الشبه والمخايل والاخلاق والشمائل وشبّه له القافة، وذهب في سبيل الفراسة وتأويل قول عمر وسمع كلام أبي مريم وقوّاه رأي المغيرة فقال: «هو ابن أبي سفيان» ، لم يذهب الى تثبيت حكم ولكنّه حبل كان عنده من نطفته فكأنه قال:
«هو من نطفة أبي سفيان» ، وكان أغلظ أحواله أن يكون كمن استلاط اليوم منّا رجلا أو أقرّ بولد عند موته ليصرف الميراث عن آخرين، ولم يعترض على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه وسنته بردّ ولا جحود؛ والحاكم عندك وعند أصحابك قد يعطل الحكم ويحكم بالهوى ويجلد من يستحقّ القطع ويقطع من يستحقّ الجلد؛ ثم أنتم لا ترون إكفاره ولا تشريكه.
مصادر و المراجع :
١- الرسائل السياسية
المؤلف: عمرو بن
بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى:
255هـ)
الناشر: دار
ومكتبة الهلال، بيروت
29 مايو 2024
تعليقات (0)