المنشورات

مخازي امية مقابل فضائل هاشم

قال أبو عثمان: وشرف هاشم متصل، من حيث عددت كان الشرف معه كابرا عن كابر، وليس بنو عبد شمس كذلك، فإن الحكم بن أبي العاص كان عاريا في الاسلام ولم يكن له سناء في الجاهلية. وأما أمية فلم يكن في نفسه هناك، وإنما رفعه أبوه، وكان مضعوفا وكان صاحب عهار، يدل على ذلك قول نفيل بن عدي جد عمر بن الخطاب حين تنافر إليه حرب بن أمية وعبد المطلب ابن هاشم، فنفر عبد المطلب وتعجب من إقدام حرب عليه وقال له:
أبوك معاهر وأبوه عفّ ... وذاد الفيل عن بلد حرام
وذلك أن امية كان تعرض لامرأة من بني زهرة فضربه رجل منهم بالسيف، فاراد بنو امية ومن تبعهم إخراج بني زهرة من مكة فقام دونهم قيس إبن عدي السهمي، وكانوا أخواله وكان منيع الجانب شديد العارضة حميّ الأنف أبيّ النفس فقام دونهم وصاح: أصبح ليل. فذهبت مثلا. ونادى:
الآن الظاعن مقيم. وفي هذه القصة يقول وهب بن عبد مناف بن زهرة:
مهلا أميّ فإنّ البغي مهلكة ... لا يكسبنّك يوم شرّه ذكر 
تبدو كواكبه والشّمس طالعة ... يصبّ في الكأس منه الصّاب والمقر
قال أبو عثمان: وصنع أمية في الجاهرية شيئا لم يصنعه أحد من العرب، زوج أبا عمرو امرأته في حياته منه، فأولدها أبا معيط بن أبي عمرو بن أمية.
والمقيتون في الاسلام هم الذين نكحوا نساء آبائهم بعد موتهم. فأما أن يتزوجها في حياة الأب ويبنى عليها وهو يراه فإنه شيء لم يكن قط.
قال أبو عثمان: وقد أقر معاوية على نفسه ورهطه لبني هاشم حين قيل له: أيهما كان أسود في الجاهلية، أنتم أم بنو هاشم؟ فقال: كانوا أسود منا واحدا، وكنا أكثر منهم سيدا. فأقرّ وأدّعى، فهو في إقراره بالنقص مخصوم، وفي ادعائه الفضل خصيم وقال جحش بن رئاب الأسدي حين نزل مكة بعد موت عبد المطلب: والله لأتزوجن ابنة أكرم أهل هذا الوادي ولأحالفن أعزهم.
فتزوج أميمة بنت عبد المطلب وحالف أبا سفيان بن حرب. وقد يمكن أن يكون أعزهم ليس بأكرمهم، ولا يمكن أن يكون أكرمهم ليس بأعزهم. وقد أقر أبو جهل على نفسه ورهطه من بني مخزوم حين قال: تحاربنا نحن وهم حتى إذا صرنا كهاتين جاءنا نبي. فأقر بالتقصير ثم ادعى المساواة، ألا تراه كيف أقر أنه لم يزل يطلب شأوهم ثم ادعى أنه لحقهم؟ فهو مخصوم في إقراره، خصيم في دعواه. وقد حكم لهاشم دغفل بن حنظلة النسابة حين سأله معاوية عن بني هاشم فقال: هم أطعم للطعام وأضرب للهام. وهاتان خصلتان يجمعان أكثر الشرف.
قال أبو عثمان: والعجب من منافرة حرب بن أمية عبد المطلب بن هاشم وقد لطم حرب جارا لخلف بن أسعد جد طلحة الطلحات فجاء جاره فشكا ذلك إليه، فمشى خلف إلى حرف وهو جالس عند الحجر فلطم وجهه عنوة من غير تحاكم ولا تراض، فما انتطح فيه عنزان. ثم قام أبو سفيان بن حرب مقام أبيه بعد موته فحالفه أبو الأزيهر الدوسي، وكان عظيم الشأن في الأزد، وكانت بينه وبين بني الوليد بن المغيرة محاكمة في مصاهرة كانت بين الوليد وبينه، فجاءه هشام بن الوليد وأبو الأزيهر قاعد في مقعد أبي سفيان بذي المجاز فضرب عنقه، فلم يدرك به أبو سفيان عقلا ولا قودا في بني المغيرة. وقال حسان بن ثابت يذكر ذلك:
غدا أهل حصنى ذي المجاز بسحرة ... وجار ابن حرب لا يروح ولا يغدو
كساك هشام بن الوليد ثيابه ... فأبل وأخلق مثلها جددا بعد











مصادر و المراجع :

١- الرسائل السياسية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید