المنشورات
جور أمية
فكان جزاء بني هاشم من بنيه أن حاربوا عليا، وسموا الحسن وقتلوا الحسين وحملوا النساء على الأقتاب حواسر وكشفوا عن عورة علي بن الحسين حين أشكل عليهم بلوغه كما يصنع بذراري المشركين إذا دخلت دورهم عنوة. وبعث معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن فقتل ابني عبيد الله بن العباس، وهما غلامان لم يبلغا الحلم. وقتل عبيد الله بن زياد يوم الطف تسعة من صلب علي وسبعة من صلب عقيل، ولذلك قال ناعيهم:
عين جودي بعبرة وعويل ... واندبي إن ندبت آل الرّسول
تسعة كلّهم لصلب عليّ ... قد أصيبوا وسبعة لعقيل
ثم إن بني أمية تزعم أن عقيلا أعان معاوية على علي، فإن كانوا كاذبين فما أولاهم بالكذب، وإن كانوا صادقين فما جازوا عقيلا بما صنع. وضرب عنق مسلم ابن عقيل صبرا وغدرا بعد الأمان، وقتلوا معه هاني بن عروة لأنه آواه ونصره، ولذلك قال الشاعر:
فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري ... إلى هانيء في السّوق وابن عقيل
تري بطلا قد هشّم السّيف وجهه ... وآخر يهوي من طمار قتيل
وأكلت هند كبد حمزة، فمنهم آكلة الأكباد، ومنهم كهف النفاق، ومنهم من نقر بين ثنيتي الحسين بالقضيب، ومنهم القاتل يوم الحرّة عون بن عبد الله ابن جعفر، ويوم الطفّ أبا بكر بن عبد الله بن جعفر، وقتل يوم الحرة أيضا من بني هاشم: الفضل بن عباد بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب، والعباس بن عتبة بن أبى لهب بن عبد المطلب، وعبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب.
قال أبو عثمان: وقالت هاشم لأمية: قد علم الناس ما صنعتم بنا من القتل والتشريد لا لذنب أتيناه إليكم، ضربتم عليّ بن عبد الله بن عباس بالسياط مرتين على أن تزوج بنت عمه الجعفرية التي كانت عند عبد الملك وعلى أن نحلتموه قتل سليط، وسممتم أبا هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب، ونبشتم زيدا وصلبتموه وألقيتم رأسه في عرصة الدار توطأ بالأقدام، وينقر دماغه الدجاج حتى قال القائل:
إطردوا الدّيك عن ذؤابة زيد ... طالما كان لا تطأه الدّجاج
وقال شاعركم أيضا:
صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة ... ولم نر مهديّا على الجذع يصلب
وقستم بعثمان عليّا سفاهة ... وعثمان خير من عليّ وأطيب
فروى أن بعض الصالحين من أهل البيت قال: اللهم إن كان كاذبا فسلط عليه كلبا من كلابك. فخرج يوما بسفر له فعرض له الأسد فافترسه. وقتلتم الامام جعفر الصادق، وقتلتم يحيى بن زيد وسميتم قاتله ثائر مروان وناصر الدين. هذا الى ما صنع سليمان بن حبيب بن المهلب عن أمركم وقولكم بعبد الله أبي جعفر المنصور قبل الخلافة، وما صنع مروان بابراهيم الإمام أدخل رأسه في جراب نورة حتى مات. فإن أنشدتم:
أفاض المدامع قتلى كدى ... وقتلى بكثوة لم ترمس
وبالزّابيين نفوس ثوت ... وأخرى بنهر أبي فطرس
أنشدنا نحن:
واذكروا مصرع الحسين وزيدا ... وقتيلا بجانب المهراس
والقتيل الذي بنجران أمسى ... ثاويا بين غربة وتناس
وقد علمتم حال مروان أبيكم وضعفه وأنه كان رجلا لا فقه له ولم يعرف بالزهد ولا بالصلاح ولا برواية الآثار ولا بصحبة ولا ببعد همة، وإنما ولى رستاقا من رساتيق دار أبجرد لابن عامر ثم ولى البحرين لمعاوية. وقد كان جميع أصحابه ومن تابعه يبايع لعبد الله بن الزبير حتى رده عبيد الله بن زياد. وقال يوم مرج راهط والرؤوس تندر عن كواهلها في طاعته:
وما ضرّهم عند حين النفوس أي غلامي قريش غلب وهذا قول من لا يستحق أن يلي ربعا من الأرباع ولا خمسا من الأخماس، وهو أحد من قتلته النساء لكلمة كان حتفه فيها. وأما أبوه الحكم بن أبي العاص فهو طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه والمتخلج في مشيته الحاكي لرسول الله والمتسمع عليه ساعة خلوته، ثم صار طريدا لأبي بكر وعمر، امتنعا عن إعادته إلى المدينة ولم يقبلا فيه شفاعة عثمان، فلما ولى أدخله فكان أعظم الناس شؤما عليه ومن أكبر الحجج في قتله وخلعه من الخلافة.
فعبد الملك أبو هؤلاء الملوك الذين تفتخر الأموية بهم أعرق الناس في الكفر، لأن أحد أبويه هذا والآخر من قبل أمه معاوية بن المغيرة بن أبي العاص كان النبي صلى الله عليه وسلم طرده من المدينة وأجله ثلاثا فحيره الله حين خرج وبقي مترددا متلددا حولها لا يهتدي لسبيله حتى أرسل في أثره عليا وعمارا فقتلاه، فأنتم أعرق الناس في الكفر، ونحن أعرق الناس في الايمان، ولا يكون أمير المؤمنين إلا أولاهم بالايمان وأقدمهم فيه.
قال أبو عثمان: وتفخر هاشم بأن أحدا لم يجد تسعين عاما لا طواعين فيها إلا منذ ملكوا. قالوا: لو لم يكن من بركة دعوتنا إلا أن تعذيب الأمراء لعمال الخراج بالتعليق والرهق والتجريد والتسهير والمسال والنورة والجورتين والعذراء والجامعة والتشطيب قد ارتفع لكان ذلك خيرا كثيرا. وفي الطاعون يقول العماني الراجز يذكر دولتنا:
قد رفع الله رماح الجنّ ... وأذهب التّعذيب والتجنيّ
والعرب تسمي الطواعين رماح الجن. وفي ذلك يقول الشاعر:
لعمرك ما خشيت على أبيّ ... رماح بني مقيّدة الحمار
ولكنّي خشيت على أبيّ ... رماح الجنّ أو إيّاك حار
يقوله بعض بني أسد للحرث الغساني الملك.
قال أبو عثمان: وتفخر هاشم عليهم بأنهم لم يهدموا الكعبة، ولم يحولوا القبلة، ولم يجعلوا الرسول دون الخليفة، ولم يختموا في أعناق الصحابة، ولم يغيروا أوقات الصلاة، ولم ينقشوا أكف المسلمين، ولم يأكلوا الطعام ويشربوا على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينهبوا الحرم ولم يطؤوا المسلمات في دار الإسلام بالسباء.
مصادر و المراجع :
١- الرسائل السياسية
المؤلف: عمرو بن
بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى:
255هـ)
الناشر: دار
ومكتبة الهلال، بيروت
29 مايو 2024
تعليقات (0)