المنشورات
مفاخر هاشم بعد الاسلام: الفخر بكثرة الولد
قال: وإن كان الفخر بكثرة العدد، فإنه من أعظم مفاخر العرب، فولد علي بن عبد الله بن العباس اليوم مثل جميع بني عبد شمس. وكذلك ولد الحسين بن علي بن أبي طالب. هذا مع قرب ميلادهما. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «شوهاء ولود خير من حسناء عقيم» . وقال: «أنا مكاثر بكم الأمم» . وقد روى الشعبي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم من سفر فأراد الرجال أن يطرقوا النساء ليلا فقال: «أمهلوا حتى تمتشط الشّعثة وتستجد المغيبة، فإذا قدمتم فالكيس الكيس» . قالوا: ذهب إلى طلب الولد. وكانت العرب تفخر بكثرة الولد وتمدح الفحل القبيس وتذم العاقر والعقيم. قال عامر بن الطفيل يعني نفسه:
لبئس الفتى إن كنت أعور عاقرا ... جبانا فما عذري لدى كلّ محضر
وقال علقمة بن علاثة يفخر على عامر: آمنت وكفر، ووفيت وغدر، وولدت وعقر وقال الزّبرقان:
فاسأل بني سعد وغيرهم ... يوم الفخار فعندهم خبري
أيّ امرىء أنا حين يحضرني ... رفد العطاء وطالب النّصر
وإذا هلكت تركت وسطهم ... ولدي الكرام ونابه الذّكر
وقال طرفة بن العبد:
فلو شاء ربي كنت قيس بن خالد ... ولو شاء ربّي كنت عمرو بن مرثد
فأصبحت ذا مال كثير وعادني ... بنون كرام سادة لمسوّد
ومدح النابغة الذبيّاني ناسا فقال:
لم يحرموا طيب النّساء وأمّهم، طفحت عليك بناطق مذكار وقال نهشل بن حري:
علّ بنيّ يشدّ الله عظمهم ... والنّبع ينبت قضبانا فيكتهل
ومكث الفرزدق زمانا لا يولد له فعيرته امرأته فقال:
قالت أراه واحدا لا أخا له ... يؤمّله في الوارثين الأباعد
لعلّك يوما أن تريني كأنّما ... بنيّ حواليّ اللّيوث الحوارد
فإنّ تميما قبل ان يلد الحصا ... أقام زمانا وهو في النّاس واحد
وقال آخر- وقد مات اخوته وملأ حوضه ليستقي فجاء رجل صاحب عشيرة وعترة فأخذ بضبعه فنحاه ثم قال لراعيه: إسق إبلك-:
لو كان حوض حمار ما شربت به ... إلّا بإذن حمار آخر الأبد
لكنّه حوض من أودى بإخوته ... ريب المنون فأمسى بيضة البلد
لو كان يشكى إلى الأموات ما لقي الأ ... حياء بعدهم من قلّة العدد
ثمّ اشتكيت لأشكاني وأنجدني ... قبر بسنجار أو قبر على فحد
وقال الأعشى وهو يذكر الكثرة:
ولست بالأكثر منهم حصا ... وإنّما العزّة للكاثر
قال: وقد ولد رجال من العرب كل منهم يلد لصلبه أكثر من مائة، فصاروا بذلك مفخرا، منهم: عبد الله بن عمير الليثي، وأنس بن مالك الأنصاري وخليفة بن بر السعدي. أتى على عامتهم الموت الجارف. ومات جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس عن ثلاثة وأربعين ذكرا وخمس وثلاثين امرأة كلهم لصلبه، فما ظنك بمن مات من ولده في حياته؟
وليس طبقة من طبقات الأسنان ألموت إليها أسرع وفيها أعم وأفشى من سن الطفولية. وأمر جعفر بن سليمان قد عاينه عالم من الناس وعامتهم أحياء.
وليس خبر جعفر كخبر غيره من الناس. قال الهيثم بن عدي: أفضى الملك إلى ولد العباس وجميع ولد العباس يومئذ من الذكور ثلاثة وأربعون رجلا، ومات جعفر بن سليمان وحده عن مثل هذا العدد من الرجال. وممن قرب ميلاده وكثر نسله حتى صار كبعض القبائل والعمائر: أبو بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمهلب بن أبي صفرة، ومسلم بن عمرو الباهلي، وزياد بن عبيد أمير العراق، ومالك بن مسمع. وولد جعفر بن سليمان الوم أكثر عددا من أهل هذه القبائل. وأربعة من قريش ترك كل واحد منهم عشرة بنين معروفين، وهم: عبد المطلب بن هاشم، والمطلب بن عبد مناف، وأمية بن عبد شمس، والمغيرة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
وليس على ظهر الأرض هاشمي إلا من ولد عبد المطلب. ولا يشك أحد أن عدد الهاشميين شبيه بعدد الجميع. فهذا ما في الكثرة والقلة.
مصادر و المراجع :
١- الرسائل السياسية
المؤلف: عمرو بن
بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى:
255هـ)
الناشر: دار
ومكتبة الهلال، بيروت
29 مايو 2024
تعليقات (0)