المنشورات

بعض اخبار الكتاب

ومن كتاب الجند: محمود بن عبد الكريم، كان حميد بن عبد الحميد عند دخول المأمون مدينة السلام وبعد سكون الهيج وخمود النّائرة، رفع إلى المأمون يذكر أن في الجند دغلا كثيرا ممن دخل فيهم بسبب تلك الحروب في أيام الأجناد-[وهم] قوم من غير أهل خراسان ممّن تشبّه بهم وادّعى إليهم من الأعراب والدّعّار، وممن لا يستحقّ الدّيوان، وقوم من أهل خراسان صارت لهم الخواصّ السّنيّة، [و] لم يكن لهم من الغناء ما يستحقّون به مثلها- وذكر أنّ بيت المال لا يحتمل ذلك، وسأل المأمون أن يولّيه تصنيف الجند. ولم يكن مذهب حميد في ذلك التوفير على المأمون، ولا الشفقة على بيت مال المسلمين، ولكنه تعصّب على أبناء أهل خراسان، واضطغن عليهم محاربتهم إياه أيّام الحسن بن سهل مع ولد محمد بن أبي خالد وغيرهم، وما كانوا قد انتحوه به من تلك الوقائع والهزائم، وما ذهب له من الأموال بذلك السّبب.
فولّاه المأمون التصنيف، وأمر للجند برزق شهرين، فولّى حميد العطاء والتصنيف محمود بن عبد الكريم الكاتب، وعرف محمود ما غزا حميد، فتحامل على الناس واستعمل فيهم الأحقاد والدّمن، فخفض الأرزاق، وأسقط الخواصّ، وبعث في الكور وأنحى على أهل الشّرف والبيوتات، حسدا لهم وإشفاء لغليل صاحبه منهم، فقصد لهم بالمكروه والتعنّت، فامتنعت طائفة من الناس من التقدّم إلى العطاء وتركوا أسماءهم، وطائفة انتدبوا مع طاهر بن الحسين بخراسان، فسقط بذلك السبب بشر كثير.
ثم إنّ المأمون أمر للناس بتمام عطاياهم؛ واكتسب محمود بن عبد الكريم المذمّة، وصار ملعنة في محال بغداد وفي مجالسها وطرقها. 
ومنهم: زيد بن أيوب الكاتب، عمل في ديوان الجند أربعين سنة، ثم صار في آخر عمره قوّادا ليحيى بن أكثم القاضي. وذلك أن المأمون أمر له بفرض، فصيّر يحيى بن أكثم أمر ذلك الفرض إلى زيد بن أيوب، وأمره ألّا يفرض إلّا لأمرد بارع الجمال، حسن القدّ والصّورة. فكان امر ذلك الفرض مشهورا متعالما. ففي ذلك يقول الحسن بن علي الحرمازيّ لزيد بن أيوب:
يا زيد يا كاتب فرض الفراش ... أكلّ هذا طلب للمعاش
مالي أرى فرضك حملانهم ... يثبت في القرنين قبل الكباش
وعلى ذلك فإنّه لم يبلغني أنّه كان في ولاة ديوان الجند ولا في كتّابهم مثل المعلّى بن أيوب في نبله وارتفاع همته، وكرم صحبته، وعفافه، وجميل مذهبه، وشدة محاماته عمن صحبه وتحرّم به. فكان المأمون يعرف له ذلك ومن بعده من الخفاء، فثبتت وطأته، ودامت ولايته، وحمد أثره.
*** قد أتينا على بعض ما أردنا فيما له قصدنا، ولم نستعمل الانتزاعات فيما ذكرنا، وأعرضنا عن التأويلات فيما وصفنا، وقصدنا إلى المأثور فحكيناه، وإلى المذكور في الأزمنة فأجريناه، لئلا يجد الطاعن فيما وصفنا مقالا، والمنكر لذم ما ذممنا مساغا، وعلمنا أنّ من عاند مع ذلك فقد دفع عيانا وأنكر كائنا مذكورا. وفي ذلك دليل باهر على اضمحلاله، وشاهد عدل لأضداده.
ولو حكينا كلّ ما في هذا الجنس من الأقوال، وما يدخله من المقايسات والأشكال، لطال الكتاب، ولملّه الناظر المعجاب، فاكتفينا بالجزء من الكتاب، والبعض دون التمام، وعلمنا أنّ الناظر فيه إن كان فطنا أقنعه القليل فقضى، وإن كان بليدا جهولا لم يزده الإكثار إلّا عيّا،ومن العلم بما له قصدنا إلّا بعدا. وبالله الكفاية والتوفيق.











مصادر و المراجع :

١- الرسائل السياسية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید