المنشورات

الفضول

وقيل لعيسى بن مريم: ما أفضل أعمالك؟ قال: تركى ما لا يعنيني.
وقال عمرو بن عبيد: أعيتنى ثلاث خلال: تركى ما لا يعنيني، ودرهم من حلّه، وأخ احتجت الى ما في يديه بذله لي.
وما أحقّ من أحصيت ألفاظه وليس من قول يبدر منه إلّا لديه رقيب عتيد، ومن أحصيت عليه مثاقيل الذّرّ واستشهد عليه جلده وجوارحه- أن يضبط لسانه.
وقد جاء في بعض الآثار: من عدّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلّا فيما لا يعنيه.
وكلّ امرء فحسيب نفسه، غير مأخوذ بغيره، وهو الوحيد دون الأهل والولد والقرابة. وقال الله جلّ ثناؤه- وقوله الحقّ- كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ
. وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ.
وليس الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر إلّا مع السّيف والسّوط.
وقال بعض الحكماء: شيئان لا صلاح لأحدهما الّا بالآخر: اللسان والسّيف.
وأنت إذا تأمّلت أكثر ما يتناجى به المتحدّثون وجدت أكثر السائلين يسأل عما لا يعنيه، ويكترث لما لا يكرثه، ويعنى بما لا ينفعه ولا يضرّه، وأكثر المجيبين يجيب ولم يسأل، ويتكلّف ما لا يعلم، ولو قال له قائل: من سألك لافتضح، ولو حاجّه فيما ادّعى ووقفه لا نقطع. قال الله عز وجلّ: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ.
ومرّ هشام بن عبد الملك ببعض أهل الكلفة والفضول، وعليه حلّة ذيّالة يسحبها في التّراب، فقال له المتكلف: يا هذا، إنّك قد أفسدت ثوبك.
قال: وما يضرّك من ذلك؟ قال: ليتك ألقيته في النار. قال: وما ينفعك من ذلك؟ فأفحمه غاية الإفحام.
ولو تهيّأ للمتكلّفين في كل وقت مثل صرامة هشام لازدجر من به حياء منهم، ولقلّت الفضول والكلف والغيبة.












مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید