المنشورات
معاملة الصديق الحسود
فإذا أحسست- رحمك الله- من صديقك بالحسد فأقلل ما استطعت من مخالطته، فإنّه أعون الأشياء لك على مسالمته. وحصّن سرّك منه تسلم من شرّه وعوائق ضرّه. وإيّاك والرغبة في مشاورته، ولا يغرنّك خدع ملقه، وبيان ذلقه، فإنّ ذلك من حبائل نفاقه.
فإن أردت أن تعرف آية مصداقه فأدنين إليه من يهينك عنده، ويذمّك بحضرته، فإنّه سيظهر من شأنه لك ما أنت به جاهل، ومن خلاف المودّة ما أنت عنه غافل. وهو ألحّ في حسده لك من الذّباب، وأسرع في تهريقك من السّيل إلى الحدور.
وما أحبّ أن تكون عن حاسدك غبيّا، وعن وهمك بما في ضميره نسيّا. إلّا أن تكون للذلّ محتملا، وعلى الدناءة مشتملا، ولأخلاق الكرام مجانبا، وعن محمود شيمهم ذاهبا، أو تكون بك إليه حاجة قد صيّرتك لسهام الرّماة هدفا، وعرضك لمن أراد غرضا.
وقد قيل على وجه الدّهر: «الحرّة تجوع ولا تأكل بثدييها» .
وربّما كان الحسود للمصطنع إليه المعروف أكفر له وأشدّ احتقادا، وأكثر تصغيرا له من أعدائه.
مصادر و المراجع :
١- الرسائل الأدبية
المؤلف: عمرو بن
بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى:
255هـ)
الناشر: دار
ومكتبة الهلال، بيروت
الطبعة: الثانية،
1423 هـ
29 مايو 2024
تعليقات (0)