المنشورات

اشعار في الغلمان والجواري

وقال الشاعر يصف الغلام:
شبيه بالقضيب وبالكثيب ... غريب الحسن في قدّ غريب
براه الله بدرا فوق غصن ... ونيط بحقوه دعص الكثيب
أغنّ تولّد الشّهوات منه ... فما تعدوه أهواء القلوب
وما اكتحلت به عين ففاتت ... مسلّمة الضّمير من الذّنوب
شغلت به الهوى ونزعت عنه ... ولم أدنس به دنس المريب
وقال آخر:
كلفت بظبي له ... سوالف أدمانه
قضيب على رملة ... على شعبتي بانه
له لحظ وحشيّة ... وألفاظ إنسانه
وقال أبو نواس:
سقيا لغير العلياء والسّند ... وغير أطلال ميّ بالجرد
ويا صبيب السّحاب إن كنت قد ... جدت اللّوى مرة فلا تعد
لا تسقين بلدة إذا عدّت ال- ... بلدان كانت زيادة الكبد
إن أتحرّز من الغراب بها ... يكن مفرّي منه إلى الصّرد
بحيث لا تجلب الفجاج إلى ... أذنيك إلّا تصايح النّقد
أحسن عندي من انكبابك بال- ... فهر ملحّا به على وتد
وقوف ريحانة على أذن ... وسير كأس إلى فم بيد
يسقيكها من بني العباد رشا ... منتسب عيده إلى الأحد
إذا بنى الماء فوقها حببا ... صلّب فوق الجبين بالزّبد
أشرب من كفّه الشمول ومن ... فيه رضابا [يجري] على برد
فذاك خير من البكاء على ال ... رّبع وأنمى في الرّوح والجسد
قال (صاحب الجواري) : فقد قال أبو نواس الحكميّ شاعركم أيضا:
لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند ... واشرب على الورد من حمراء كالورد
كأسا إذا انحدرت في حلق شاربها ... رأيت حمرتها في العين والخدّ
فالخمر ياقوتة والكأس لؤلؤة ... من كفّ لؤلؤة ممشوقة القدّ
تسقيك من عينها سحرا ومن يدها ... خمرا فما لك من سكرين من بدّ
لي نشوتان وللنّدمان واحدة ... شيء خصصت به من بينهم وحدي
وقال أيضا:
دع عنك لومي فإنّ اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسّها حجر مسّته سرّاء
من كفّ ذات حر في زيّ ذي ذكر ... لها محبان) : لوطيّ وزنّاء
قامت بإبريقها واللّيل معتكر ... فظلّ من وجهها في البيت لألاء
فأرسلت من فم الإبريق صافية ... كأنّما أخذها بالعين إغفاء
في فتية زهر ذلّ الزمان لهم ... فما يصيبهم إلّا بما شاءوا
لتلك أبكي ولا أبكي لمنزلة ... كانت تكون بها هند وأسماء
[قال صاحب الغلمان] .... وقال النظام:
بان بك الشّكل والنّظير ... وجلّ عن وصفك الضّمير
فليس يخطيك في امتحان ... صغير أمر ولا كبير
خلقت من مثل لا عيان ... جسما على أنّه منير
فأنت عند المجسّ نار ... وأنت عند اللّحاظ نور
وقال أبو هشام الخرّاز:
يا من تعدّى العباد من شبهه ... لمّا قصرن الصّفات عن كنهه
ويا غزالا يسبي بلحظته ... مكتحلا راح أو على مرهه
يجعل قتل النّفوس نزهته ... يوشك يفني النّفوس في نزهه
لبّيك داع دعا فقلت له ... والقلب في كربه وفي ولهه
هذا فؤادي أتاك مبتدعا ... طوعا ولم يأتكم على كرهه
يشره منكم إلى مواصلة ... يابوس قلب يذوب من شرهه
فالآن قل للخيال يطرق من ... أعيا عليه وصال منتبهه
وقال الحكميّ:
رسم الكرى بين الجفون محيل ... عفّى عليه بكا عليك طويل
يا ناظرا ما أقلعت نظراته ... حتّى تشحّط بينهنّ قتيل
أحللت من قلبي هواك محلّة ... ما حلّها المشروب والمأكول
وقال أيضا:
لي حبيب كلّما زاد في ... جفوته لي كان أشهى
هو وجه كلّه في كلّ ما ... نظرت عيناك منه كان وجها
وكذا الدّرّة لا يدري الفتى ... أيّها من أيّها في العين أبمى
وقال أيضا:
أفنيت فيك معاني الشكوى ... وصفات ما ألقى من البلوى
قلّبت آفاق الكلام فما ... أبصرتني أغفلت عن معنى
وأعدّ ما لا أشتكي غبنا ... فأعود فيه مرّة أخرى
فلو أنّ ما أشكو إلى بشر ... لأراحني ظنّي من الشّكوى
لكنّني أشكو إلى حجر ... تنبو المعاول عنه بل أقسى
فهذا وشبهه من الشعر كثير.
وإذا جئت إلى أصحاب الهزل كقول بعضهم ممّن ذمّ النساء:
هذه الخمر فاشرب ... واسقني يا ابن مصعب
اسقنيها وغنّني: ... من لقلب معذّب
طمعت فيّ طفلة ... ربّ راج مجنّب
قلت لمّا رأيتها ... أسفرت لي: تنقّبي
لست والله مدخلا ... إصبعي جحر عقرب
وقال آخر:
لا أبتغي بالمرد مطمومة ... ولا أبيع الظّبي بالأرنب
لا أدخل الجحر يدي طائعا ... أخشى من الحيّة والعقرب
وقال آخر:
ليس لي في الحرّ حاجه ... نيكه عندي سماجه
ما ينيك الحرّ إلّا ... كلّ ذي فقر وحاجه
فإذا نكتم فنيكوا ... أمردا في لون عاجه
وقال يوسف لقوه:
ما يساوي نيك أنثى ... عند أيري بعرتين.
إنّما نيك الجواري ... حلّ دين بعد دين
ليس للأير حياة ... غير ريح الخصيتين
وهو الذي يقول:
وعلى اللّواط فلا تلومن كاتبا ... إنّ اللّواط سجيّة في الكاتب
ولقد يتوب من المحارم كلّها، ... وعن الخصى ما عاش ليس بتائب
وقال الحكميّ:
للطمة يلطمني أمرد ... تأخذ منّي العين والفكّا
أطيب من تفّاحة في يدي ... معضوضة قد ملئت مسكا
وقال آخر:
إن تزن محصنة ترجم علانية ... وإن يلط عزب لا يرجم العزب
وقال آخر:
أيسر ما فيه من مفاضلة ... أمنك من طمثه ومن حبله
وهذا قليل من كثير ما قالوا، فقد قالت الشعراء في الغلام في الجدّ والهزل فأحسنوا، كما قالت الشعراء في الغزل والنّسيب، ولا يضير المحسن منهم أقديما كان أو محدثا.
قال (صاحب الجواري) : أمّا أنت فحيث اجتهدت واحتفلت جئت بالحكميّ، والرّقاشيّ، ووالبة، ونظرائهم من الفسّاق والمرغوب عن مذهبهم، الذين نبغوا في آخر الزمان، سقّاط عند أهل المروءات، أوضاع عند أهل الفضل؛ لأنّهم وإن أسهبوا في وصف الغلمان، فإنما يمدحون اللّواط ويشيدون بذكره.
وقد علمت ما قال الله تبارك وتعالى في قوم لوط، وما عجّل لهم من الخزي والقذف بالحجارة، إلى ما أعدّ لهم من العذاب الأليم. فمن أسوأ حالا ممن مدح ما ذمّه الله، وحسّن ما قبّح! وأين قول من سمّيت من قول الأوائل في الغزل والنّسيب والنساء! وهل كان البكاء والتشبيب والعويل إلا فيهنّ وعليهنّ، ومن أجلهنّ! وهل ذمّت العرب الشّيب مع الخصال المحمودة التي فيه إلا لكراهتهنّ له. قال شاعر الشعراء من الأوّلين والآخرين، امرؤ القيس:
أراهنّ لا يحببن من قلّ ماله ... ولا من رأين الشّيب فيه وقوّسا
وقال علقمة بن عبدة الفحل، وكان نظير امرىء القيس في عصره:
إذا شاب رأس المرء أو قلّ ماله ... فليس له في ودّهنّ نصيب
يردن ثراء المال حيث علمنه ... وشرخ الشّباب عندهن عجيب
وما قالت القدماء في النسيب أكثر من أن نأتي عليه. وأين قول من ذكرت في صفات الغلمان من قول امرىء القيس في التشبيب حيث يقول:
وما ذرفت عيناك إلّا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلب مقتّل
أغرّك منّي أنّ حبّك قاتلي ... وأنّك مهما تأمري القلب يفعل
وقول الأعشى:
لو أسندت ميتا إلى نحرها ... عاش ولم ينقل إلى قابر
حتّى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للقاتل الناشر
وقال جرير:
إنّ الذين غدوا بلبّك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا
غيّضن من عبراتهنّ وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا
وقال جميل:
خليلي فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي
وقال القطاميّ:
يقتلننا بحديث ليس يعلمه ... من يتّقين ولا مكنونه بادي
فهنّ ينبذن من قول يصبن به ... مواقع الماء من ذي الغلّة الصادي
فهؤلاء القدماء في الجاهلية والإسلام، فأين قول من احتججت به من قولهم! ولا نعلم أحدا قال في الغلام ما قال الحكميّ وهو من المحدثين. وأين يقع قوله من قول الأوائل الذين شبّبوا بالنساء! فدع عنك الرّقاشيّ ووالبة والخرّاز ومن أشبههم؛ فليست لك علينا حجّة في الشعراء.
وأخرى: ليس من قال الشعر بقريحته وطبعه واستغنى بنفسه، كمن احتاج إلى غيره يطرد شعره، ويحتذى مثاله، ولا يبلغ معشاره.












مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید