المنشورات
فضل المعلم
فصل منه: ولولا الكتاب لاختلّت أخبار الماضين، وانقطعت آثار الغائبين. وإنّما اللسان للشاهد لك، والقلم للغائب عنك، وللماضي قبلك والغابر بعدك. فصار نفعه أعمّ، والدّواوين إليه أفقر.
والملك المقيم بالواسطة لا يدرك مصالح أطرافه وسدّ ثغوره، وتقويم سكّان مملكته، إلّا بالكتاب.
ولولا الكتاب ما تمّ تدبير، ولا استقامت الأمور. [وقد] رأينا عمود صلاح الدّين والدّنيا إنّما يعتدل في نصابه، ويقوم على أساسه بالكتاب والحساب.
وليس علينا لأحد في ذلك من المنّة بعد الله الذي اخترع ذلك لنا ودلّنا عليه، وأخذ بنواصينا إليه، ما للمعلمين الذين سخّرهم لنا، ووصل حاجتهم إلى ما في أيدينا. وهؤلاء هم الذين هجوتهم وشكوتهم وحاججتهم وفحشت عليهم، وألزمت الأكابر ذنب الأصاغر، وحكمت على المجتهدين بتفريط المقصّرين، ورثيت لآباء الصّبيان من إبطاء المعلّمين عن تحذيقهم، ولم ترث للمعلّمين من إبطاء الصّبيان عمّا يراد بهم، وبعدهم عن صرف القلوب لما يحفظونه ويدرسونه، والمعلّمون أشقى بالصّبيان من رعاة الضّان وروّاض المهارة.
ولو نظرت من جهة النظر علمت أنّ النعمة فيهم عظيمة سابغة، والشكر عليها لازم واجب.
مصادر و المراجع :
١- الرسائل الأدبية
المؤلف: عمرو بن
بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى:
255هـ)
الناشر: دار
ومكتبة الهلال، بيروت
الطبعة: الثانية،
1423 هـ
30 مايو 2024
تعليقات (0)