المنشورات

ينبغي عدم الانقياد مع الهوى

واعترام الغضبان يهوّر الأعمار، فإنّ الغضبان أسوأ أثرا على نفسه من لسّكران، ولولا أنّ نار الغضب تخبو قبل إفاقة المعتوه، وضباب السّكر ينكشف قبل انكشاف غروب عقل المذلّه، وأنّ حكم الظاعن خلاف حكم المقيم، وقضيّة المجتاز خلاف قضيّة الماكث، لكانت حال الغضبان أسوأ مغبّة، وجهله أوبأ، على أنّ الحكم له ألزم والنّاس له ألوم.
وما أكثر ما يقحم الغضب المقاحم التي لا يبلغها جناية الجنون، وفرط جهل المصروع.
فصل منه: وإنّ الغمر لا يكون إلّا عديم الآلة، منقطع المادّة، يرى الغيّ رشدا والغلوّ قصدا. فلو كنت إذا جنيت لم تقم على الجناية، وإذا عزمت على القول لم تخلّده في الكتب، وإذا خلّدته لم تظهر التبجّح به، والاستبصار فيه، كان علاج ذلك أيسر، وكانت أيّام سقمك أقصر.
فأخزى الله التصميم إلّا مع الحزم، والاعتزام إلّا بعد التثبّت والعلم إلّا مع القريحة المحمودة، والنّظر إلّا مع استقصاء الرويّة.
وأخلق بمن كان في صفتك، وأحر بمن جرى على دربك، ألّا يكون سبب تسرّعه، وعلّة تشحّنه إلّا من ضيق الصّدر.
وجميع الخير راجع إلى سعة الصدر. فقد صحّ الآن أنّ سعة الصّدر أصل، وما سوى ذلك من أصناف الخير فرع.













مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید