المنشورات

التعريف بكتاب أصول الفتيا

وعندي- أبقاك الله- كتاب جامع لاختلاف النّاس في أصول الفتيا، التي عليها اختلفت الفروع وتضادّت الأحكام، وقد جمعت فيه جميع الدّعاوي مع جميع العلل. وليس يكون الكتاب تامّا، ولحاجة الناس إليه جامعا، حتّى تحتجّ لكلّ قول بما لا يصاب عند صاحبه، ولا يبلغه أهله؛ وحتّى لا ترضى بكشف قناع الباطل دون تجريده، ولا بتوهينه دون إبطاله. وقد قال رسول ربّ العالمين وخاتم النبيّين، محمد صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابّوا» .
فحثّ على الهديّة وإن كان كراعا وشيئا يسيرا. وإذا دعا إلى اليسير الحقير فهو إلى الثّمين الخطير أدعى، وبه أرضى.
ولا أعلم شيئا أدعى إلى التحابّ، وأوجب في التّهادي، وأعلى منزلة وأشرف مرتبة، من العلم الذي جعل الله العمل له تبعا، والجنّة له ثوابا.
ولا عذر لمن كتب كتابا وقد غاب عنه خصمه، وقد تكفّل بالإخبار عنه، في ترك الحيطة له، والقيام بكلّ ما احتمله قوله. كما أنّه لا عذر له في التقصير عن فساد كلّ قول خالف عليه، وضادّ مذهبه، عند من قرأ كتابه وتفهّم أدخاله، لأنّ أقلّ ما يزيل عذره ويزيح علّته، أنّ قول خصمه قد استهدف لخصمه، وأصحر للسانه ومكّنه من نفسه، وسلّطه على إظهار عورته. فإذا استراح واضع الكتاب من شغب خصمه ومداراة جليسه، فلم يبق إلّا أن يقوى على كسر الباطل أو يعجز عنه.
ومن شكر المعرفة بمغاوي الناس ومراشدهم، ومضارّهم ومنافعهم، أن تحتمل ثقل مؤونتهم في تعريفهم، وأن تتوخّى إرشادهم، وإن جهلوا فضل ما يسدى إليهم.











مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید