المنشورات

الكتاب افضل من صاحبه

ولم يصن العلم بمثل بذله، ولم يستبق بمثل نشره. على أنّ قراءة الكتب أبلغ في إرشادهم من تلاقيهم، إذ كان مع التلاقي يكثر التّظالم، وتفرط النّصرة، وتشتدّ الحميّة. وعند المواجهة يفرط حبّ الغلبة، وشهوة المباهاة والرّياسة، مع الاستحياء من الرجوع، والأنفة من الخضوع. وعن جميع ذلك تحدث الضّغائن، ويظهر التّباين. وإذا كانت القلوب على هذه الصّفة وهذه الحلية، امتنعت من المعرفة، وعميت عن الدّلالة.
وليست في الكتب علّة تمنع من درك البغية، وإصابة الحجّة؛ لأنّ المتوحّد بقراءتها، والمتفرّد بفهم معانيها، لا يباهي نفسه، ولا يغالب عقله.
والكتاب قد يفضل صاحبه، ويرجح على واضعه بأمور:
منها أنّه يوجد مع كل زمان على تفاوت الأعصار، وبعد ما بين الأمصار. وذلك أمر يستحيل في واضع الكتاب، والمنازع بالمسألة والجواب. وقد يذهب العالم وتبقى كتبه، ويفنى المعقّب ويبقى أثره. ولولا ما رسمت لنا الأوائل في كتبها، وخلّدت من عجيب حكمها، ودوّنت من أنواع سيرها؛ حتّى شاهدنا بها ما غاب عنا، وفتحنا بها المستغلق علينا، فجمعنا إلى قليلنا كثيرهم، وأدركنا ما لم نكن ندركه إلّا بهم- لقد خسّ حظّنا في الحكمة، وانقطع سببنا من المعرفة، وقصرت الهمّة، وضعفت النيّة، فاعتقم الرّأي وماتت الخواطر، ونبا العقل.













مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید