المنشورات

النبيذ يبعث على الظرف والضحك في كل وقت

ولو لم يكن من أياديه ومننه، ومن جميل آلائه ونعمه، إلّا أنّك ما دمت تمزجه بروحك، وتزاوج بينه وبين دمك فقد أعفاك من الجد ونصبه، وحبّب إليك المزاح والفكاهة، وبغّض إليك الاستقصاء والمحاولة، وأزال عنك تعقّد الحشمة وكدّ المروءة، وصار يومه جمالا لأيّام الفكرة، وتسهيلا لمعاودة الرّويّة، لكان في ذلك ما يوجب الشّكر، ويطيب الذكر. مع أنّ جميع ما وصفناه وأخبرنا به عنه يقوم بأيسر الجرم، وأقلّ الثمن.
ثم يعطيك في السّفر ما يعطيك في الحضر، وسواء عليك البساتين والجنان. ويصلح بالليل كما يصلح بالنهار، ويطيب في الصّحو كما يطيب في الدّجن، ويلذّ في الصيف كما يلذّ في الشتاء، ويجري مع كلّ حال. وكلّ شيء سواه فإنّما يصلح في بعض الأحوال.
ويدفع مضرّة الخمار، كما يجلب منفعة السّرور.
إن كنت جذلا [كان] بارّا بك، وإن كنت ذا همّ نفاه عنك.
وما الغيث في الحرث بأنفع منه في البدن، وما الرّيش السّخام بأدفأ منه للمقرور.
ويستمرأ به الغذاء ويدفع به ثقل الماء، وتعالج به الأدواء، وتحمّر به الوجنتان، ويعدل به قضاء الدّين.











مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید