المنشورات
هناك فرق بين الخمر والنبيذ
اعلم- أكرمك الله- أنّك لو بحثت عن أحوال من يؤثر شرب الخمور على الأنبذة، لم تجد إلّا جاهلا مخذولا، أو حدثا مغرورا، أو خليعا ماجنا، أو رعاعا همجا؛ ومن إذا غدا بهيمة، وإذا راح نعامة، ليس عنده من المعرفة أكثر من انتحال القول بالجماعة؛ قد مزج له الصّحيح بالمحال، فهو مدين بتقليد الرّجال، يشعشع الرّاح، ويحرّم المباح، فمتى عذله عاذل ووعظه واعظ قال: الأشربة كلّها خمر، فلا أشرب إلّا أجودها.
وقد أحببت- أيّدك الله- التّوثّق من إصغاء فهمك، وسؤت ظنّا بالتغرير فقدّمت لك من التّوطئة ما يسهّل [لك] سبيل المعرفة. وذلك إلى مثلك من مثلي حزم سيّما فيما خفيت معالمه ودرست مناهجه، وكثرت شبهه، واشتدّ غموضه.
ولو لم يكن ذلك وكان قد اعتاص عليّ البرهان في إظهاره، واحتجت في الإبانة عنه إلى ذكر ضدّه، ونظيره وشكله، لم أحتشم من الاستعانة بكلّ ذلك. فكيف والقدرة- بحمد الله- وافرة، والحجّة واضحة.
قد يكون الشيء من جنس الحرام فيعالج بضرب من العلاج حتّى يتغيّر بلون يحدث له، ورائحة وطعم ونحو ذلك، فيتغيّر لذلك اسمه، ويصير حلالا بعد أن كان حراما.
فصل منه: فإن قال لنا قائل: ما تدرون، لعلّ الأنبذة قد دخلت في ذكر تحريم الخمر، ولكن لمّا كان الابتداء أجري في ذكر تحريم الخمر، خرج التحريم عليها وحدها في ظاهر المخاطبة، ودخل سائر الأشربة في التّحريم بالقصد والإرادة.
قلنا: قد علمنا أنّ ذلك على خلاف ما ذكر السّائل، لأسباب موجودة، وعلل معروفة.
مصادر و المراجع :
١- الرسائل الأدبية
المؤلف: عمرو بن
بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى:
255هـ)
الناشر: دار
ومكتبة الهلال، بيروت
الطبعة: الثانية،
1423 هـ
30 مايو 2024
تعليقات (0)