المنشورات

مغنو المدينة شربوا الخمر ولم يحدهم أهلها

وبعد، فأهل المدينة لم يخرجوا من طبائع الإنس إلى طبع الملائكة.
ولو كان كلّ ما يقولونه حقّا وصوابا لجلدوا من كان في دار معبد، والغريض، وابن سريج، ودحمان وابن محرز وعلّويه وابن جامع، ومخارق، وشريك، ووكيع، وحمّاد، وإبراهيم وجماعة التابعين، والسّلف والمتقدّمين؛ لأنّ هؤلاء فيما زعموا كانوا يشربون الأنبذة التي هي عندهم خمر؛ وأولئك كانوا يعالجون الأغاني التي هي حلّ طلق، على نقر العيدان والطّنابير، والنّايات والصّنج والزّنج، والمعازف التي ليست محرّمة ولا منهيّا عن شيء منها.
ولو كان ما خالفونا فيه من تحليل الأنبذة وتحريمها، كالاختلاف في الأغاني وصفاتها وأوزانها، واختلاف مخارجها، ووجوه مصارفها ومجاريها، وما يدمج ويوصل منها، وما للحنجرة والحنك والنّفس واللهوات وتحت اللّسان من نغمها. وأيّ الدّساتين أطرب، وأيّ أصوب، وما يحفز بالهمز أو يحرّك بالضّمّ؛ وكالقول بأنّ الهزج بالبنصر أطيب، أو بالوسطى؟ والسّريع على الزّير ألذّ، أو على المثنى؟ والمصعّد في لين أطرب أم المحدر في الشّدّة؟ لسهل ذلك ولسلّمنا علمه لمن يدّعيه، ولم نجاذب من يدّعي دوننا معرفته.
فصل منه: ولهج أصحاب الحديث بحكم لم أسمع بمثله في تزييف الرّجال، وتصحيح الأخبار. وإنما أكثروا في ذلك، لتعلم حيدهم عن التّفتيش، وميلهم عن التنقير، وانحرافهم عن الإنصاف.














مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید