المنشورات
الكلام دليل على الايمان والشريعة
ولم أر للصّمت فضيلة في معنى ولا للسّكوت منقبة في شيء إلّا وفضيلة الكلام فيها أكثر، ونصيب المنطق عندها أوفر، واللّفظ بها أشهر. وكفى بالكلام فضلا، وبالمنطق منقبة، أن جعل الله الكلام سبيل تهليله وتحميده، والدّالّ على معالم دينه وشرائع إيمانه، والدّليل إلى رضوانه. ولم يرض من أحد من خلقه إيمانا إلّا بالإقرار، وجعل مسلكه اللّسان، ومجراه فيه البيان، وصيّره المعبّر عمّا يضمره والمبين عمّا يخبره، والمنبىء عن ما لا يستطيع بيانه إلّا به. وهو ترجمان القلب. والقلب وعاء واع.
ولم يحمد الصّمت من أحد إلّا توقّيا لعجزه عن إدراك الحقّ والصّواب في إصابة المعنى. وإنّما قاتل النبيّ صلى الله عليه وسلم المشركين عند جهلهم الله تعالى وإنكارهم إياه، ليقرّوا به، فإذا فعلوه حقنت دماؤهم، وحرّمت أموالهم، ورعيت ذمّتهم. ولو أنّهم سكتوا ضنّا بدينهم لم يكن سبيلهم إلّا العطب.
فاعلم أنّ الكلام من أسباب الخير لا من [أسباب] الشر.
والكلام- أبقاك الله- سبيل التمييز بين الناس والبهائم، وسبب المعرفة.
لفضل الآدميّين على سائر الحيوان، قال الله عز وجلّ: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
. كرّمهم باللسان وجمّلهم بالتدبّر.
مصادر و المراجع :
١- الرسائل الأدبية
المؤلف: عمرو بن
بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى:
255هـ)
الناشر: دار
ومكتبة الهلال، بيروت
الطبعة: الثانية،
1423 هـ
30 مايو 2024
تعليقات (0)