المنشورات
أسباب معاقبة ابن الزيات للجاحظ وعدم عدالة العقوبة
جعلت فداك. ليس من أجل اختياري النّخل على الزّرع أقصيتني، ولا على ميل إلى الصّدقة دون إعطائي الخراج عاقبتني، ولا لبغضي دفع الإتاوة والرضا بالجزية حرمتني.
ولست أدري لم كرهت قربي وهويت بعدي، واستثقلت روحي ونفسي واستطلت عمري وأيام مقامي. ولم سرّتك سيّئتي ومصيبتي وساءتك حسنتي وسلامتي، حتّى ساءك تجمّلي بقدر ما سرّك جزعي وتضجّري، وحتى تمنّيت أن أخطىء عليك فتجعل خطيئي حجّة لك في إبعادي، وكرهت صوابي فيك خوفا من أن تجعله ذريعة لك إلى تقريبي.
فإن كان ذلك هو الذي أغضبك، وكان هو السبب لموجدتك (فليس- جعلت فداك- هذا الحقد في طبقة هذا الذّنب، ولا هذه المطالبة من شكل هذه الجريمة.
ولو كان إذ لم يكن في وزنه وقع قريبا، وإذ لم يكن عدله وقع مشبها كان أهون في موضع الضّرر، وأسهل في مخرج السّماع.
فأيّ شيء بقّيت للعدوّ المكاشف والمنافق الملاطف، وللمعتمد المصرّ وللقادر المدلّ.
ومن عاقب على الصّغير بعقوبة الكبير، وعلى الهفوة بعقوبة الإصرار، وعلى الخطأ بعقوبة العمد، وعلى معصية المتستّر بعقوبة معصية المعلن، ومن لم يفرق بين الأعالي والأسافل، وبين الأقاصي والأداني، عاقب على الزّنى بعقوبة السّرق، وعلى القتل بعقوبة القذف. ومن خرج إلى ذلك في باب العقاب خرج إلى مثله في باب الثّواب. ومن خرج من جميع الأوزان وخالف جميع التعديل، كان بغاية العقاب أحقّ، وبه أولى.
والدّليل على شدّة غيظك وغليان صدرك قوّة حركتك وإبطاء فترتك، وبعد الغاية في احتيالك. ومن البرهان على ثبات الغضب، وعلى كظم الذنب تمكّن الحقد ورسوخ الغيظ، وبعد الوثبة وشدّة الصّولة.
مصادر و المراجع :
١- الرسائل الأدبية
المؤلف: عمرو بن
بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى:
255هـ)
الناشر: دار
ومكتبة الهلال، بيروت
الطبعة: الثانية،
1423 هـ
30 مايو 2024
تعليقات (0)