المنشورات

الهزء من كبر سن احمد بن عبد الوهاب

يا عم لم تحملنا على الصدق، ولم تجر عنا مرارة الحق، ولم تعرضنا لأداء الواجب، ولم تستكثر من الشهود عليك، ولم تحمل الاخوان على خلاف محبتهم لك؟ إجعل بدل ما تجني على نفسك أن تجني على عدوك، وبدل ما تضطر الناس إلى أن يصدقوا فيك أن تضطرهم إلى أن يمسكوا عنك.
ولا بد يرحمك الله لمن فاته الطول من أن يلقي بيده أو من أن يقول بخلاف ما يجد في نفسه. فو الله إنك لجيد الهامة، وفي ذلك خلف من حسن القامة، وإنك لحسن الحظ، وفي ذلك عوض من حسن اللفظ، وإنك لقليل الشيب قليل البول، وإنك لتجد مقالا، وإنك لتعد خصالا. فقل معروفا فإنا من أعوانك، وأقتصد فإنا من أنصارك، وهات فانك لو أسرفت لقلنا قد اقتصدت، ولو جرت لقلنا قد اهتديت. ولكنك تجيء بشيء: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا
ولو غششناك لساعدناك، ولو نافقناك لأغريناك، ولربما عذرتك ولان جانبي لك فأقول:
خرف الشيخ إذا كان جادا، وعبث إن كان هازلا. وقد يعجل الخرف إلى أحدث منك سنا ويبطيء عن أطول منك عمرا. بل من هذا الذي يعد من السنين ما تعد وبلغ من الكبر ما بلغت؟ وعند من يدرك هذا العلم إلا عند النجوم أو عند إبليس الرجيم، بل من يعرف ذلك إلا فاطر السموات والأرض. لو عرفت عقبان خطفة ونسور السراة وأحناش الرمل وعير العانة وورشان الغابة وشيوخ اليمامة وهرمي فرغانة، إنك لا تعد عمر نوح عمرا ولا النجوم يوما، وإنك قد فت التاريخات وجزت حساب الباورات واستقللت الأحقاب وخرجت من خطوط الهند لما استطالت بأعمارها ولا فرحت بطول أيامها! فيا قعيد الفلك كيف أمسيت، ويا قوة الهيولى كيف أصبحت، ويا نسر لقمان كيف ظهرت، ويا أقدم من دوس ويا أسن من لبد ويا صفي المشقر ويا صاحب المسند.










مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید