المنشورات

مجموعة من حكم الفلاسفة

وقد بقيت لي عليك مسائل وهي خاتمة الكتاب ومنتهى المسائل: أيهما أحسن قول بقراط مفسرا: العمر قصير والصناعة طويلة والزمان جديد والتجربة خطأ والقضاء عسر، أم قول أفلاطون مجملا: لولا أن في قولي أني لا أعلم تثبيتا لأني أعلم لقلت إني لا أعلم، أم تواضع أرشخانس حيث يقول: ليس معي من فضيلة العلوم إلا علمي بأني لست بعالم. فانظر في آخر هؤلاء ثم انظر في قول ديمقراط: عالم معاند خير من عالم منصف جاهل، وفي قول تلميذه الأول: الجاهل لا يكون منصفا والعالم لا يكون معاندا وقد يكون العالم معاندا. ثم انظر في قول ريسموس: لولا العمل لم يطلب علم، ولولا العلم لم يطلب عمل، ولأن أدع الحق جهلا به أحب الي من أن أدعه زهدا فيه، وإن كان الجهل لا يكون إلا من نقصان في آلة الحس فإن المعاندة [هي] زيادة في آلة الشر، ولأن أترك جميع الخير أحب إلي من أن أفعل بعض الشر، ثم انظر في قول تومقراط؛ العلم روح والعمل بدن، والعلم أصل والعمل فرع، والعلم والد العمل مولود، وكان العمل لمكان العلم ولم يكن العلم لمكان العمل. فالسبب الجالب خير من السبب المجلوب، والغالب خير من المغلوب. وانظر في قول اقليمون: ألعلم كان من العمل والعمل غاية، والعلم رائد والعمل مرشد. ثم انظر في قول ارسطاطاليس: ليس طلبي العلم طمعا في بلوغ قاصيته ولا سبيلا إلى غايته ولكن التمس ما لا يسع جهله ولا يحسن بالعاقل خلافه. ثم انظر في قوله: قد عرفت الارتماطيقى، وأيقنت معرفة الموسيقى، وعرفت المساحة، فلم يبق إلا علم الآلهي ومعرفة الاصلاح. ثم انظر في قول مورسطوس: عرفت أكثر المقصود وأقل ما يوقف عليه من المبسوط، وقليل الكثير كثير، وكثير القليل كثير.
ثم انظر في قول اقليمون: ما أقل منفعة كثير المعرفة مع شرف الطبيعة واقتصاد الشهوة. ثم انظر في قول تلميذه الأول: غلبة الطبيعة تبطل المعرفة وتنسى العاقبة ولو كانت المعرفة ثابتة لكانت هي الغالبة. ثم انظر في قول تلميذه الثاني: ليس بعلم ما كان مغلوبا وليس بفهم ما كان مغمورا بل لا يكون مغلوبا إلا بالنقص والخبال ولا مغمورا إلا بالغلبة والانتقاض. ثم انظر في قول ما سرجس: من قصر عن طلب العلم لرغبة أو رهبة أو منافسة أو شهرة. كان حظه من الرغبة وحظه من الرهبة على مقدار حق الرهبة. ومن طلب العلم لكرم العلم والتمسه لفضل الإستبانة كان حظه منه بقدر كرمه وقدره، وانتفاعه به على حسب استحقاقه في نفسه.
وقد اختلفوا في العقل بأكثر من اختلافهم في العلم، فمنعني من ذكره لك غموضه عليك واستتاره عنك، وعلمت أني لا أقدر أن أصوره لك دون دهر طويل، ولا أضمنك معناه دون تربيب كثير.












مصادر و المراجع :

١- الرسائل الأدبية

المؤلف: عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي، أبو عثمان، الشهير بالجاحظ (المتوفى: 255هـ)

الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت

الطبعة: الثانية، 1423 هـ

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید