المنشورات

رجل من بني تميم يهجو تعلة بن مسافر

وقال رجل من بني تميم:
ألبان إبل تعلة بن مسافرٍ ... ما دام يملكها علي حرام
وطعام عمران بن أوفى مثلها ... ما دام يسلك في البطون طعام
إن الذين يسوغ في إعناقهم ... زادٌ يمن عليهم للئام
لعن الإله تعلة بن مسافر ... لعناً يشن عليه من قدام
وهذا كلام فصيح جداً.
وقوله: "يسوغ في أعناقهم" يريد حلوقهم لأن العنق يحيط بالحلق، ويشبه هذا الاتساع في الفصاحة لا في المعنى قول القطامي:
لم تر قوماً هم شر لإخوتهم ... منا عشية يجري بالدم الوادي
نقريهم لهذميات نقد بها ... ما كان خاط عليهم كل زراد
لأن الخياطة تضم خرق القميص، والسرد يضم حلق الدرع، فضربه مثلاً فجعله خياطة، قال أبو الحسن: روى أبو العباس:
وطعام عمران بن أوفى مثلها
رد الهاء والألف على الألبان، وهذا لا نظر فيه، وروى أيضاً مثله لأن الألبان تجري مجرى اللبن، فحمله على المعنى. وقد يجوز أن تجعل الألبان جمعاً فتذكر لتذكير الجمع. وروي أيضاً
ما دام يسلك في الحلوق طعام وروى الفراء في هذا الشعر:
إن الذين يسوغ في أحلاقهم
وإنما كان ينبغي أن يكون:: " في أحلقهم "كقولك: فلس وأفلس، وما أشبهه ولكنه شبه باب" فعلٍ" بباب" فعل"، كما قالو: زند وأزناد، وفرخ وافراخ، قال الحطيئة لعمر بن الخطاب رضي1 الله عنه:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ ... حمر الحواصل لا ماء ولا شجر
ففعلوا هذا تشبيها ًبباب" فعل" كما شبهوا فعلاً بفعلٍ في الجمع، فقالوا: جبلٌ وأجبلٌ، وزمن وأزمن، كما قال:
إني لأكني بأجبال عن أجبلها ... وباسم أودية حباً لواديها
فأتي به على الأصل، وتشبيهاً بغيره على ما أخبرتك، قال ذو الرمة:
أمنزلتي مي سلام عليكما ... هل الأزمن الائي مضين رواجع!
والباب" أزمان" كما قال رؤبة:
أزمان لا أدري وإن سألت ... ما فرق بين جمعةٍ وسبت
وروى أبو العباس البيت الأخير مقوى، وجعله نكرة، وهو قوله: "من قدام" كما تقول: جئتك من قبلٍ، ومن بعد، ومنعلٍ، وما أشبه، كما قرأ بعضهم: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} 2 كما تقول: أولاً وآخراً، ورواه الفراء: "من قدام" وجعله معرفة، وأجراه مجرىالغايات، نحو: "قبل وبعد" كما قال طرفة بن العبد3:
ثم تفري اللحم من تعدائها ... فهي من تحت مشيحات الحزم
وكما قيل عتي بن مالك العقيلي، أنشده الفراء أيضاً:
إذا أنا أومن عليك ولم يكن ... لقاؤك إلا من وراء وراء
فهذا الضرب مما وقع على غير جهة التعريف، وجهة التعريف أن يكون معرفاً بنفسه، كزيد وعمرو، أو يكون معرفاً بالألف واللام أو بالإضافة، فهذه جهة التعريف، وهذا الضرب إنما هو معرف بالمعنى، فلذلك بني إذ خرج من الباب، ويروى: "لعناً يسن عليه" بالسين، ويسن ويشن واحد، أي يصب إلا أن بعضهم قال السن الصب على وجهه واحدة، وقالوا: يقال: شننت عليه الماء، وسننته، وسننت عليه الدرع لا غير، وقالوا: سننت عليه الغارة لا غير.












مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید