المنشورات
قال عروة بن الورد العبسي، وهو عروة الصعاليك1:
لحا2 الله صعلوكاً إذا جن ليله ... مصافي المشاش آلفاً كل مجزر3
ينام ثقيلاً ثم يصبح قاعداً ... يحت الحصى عن جنبه المتعفر4
يعين نساء الحي ما يستعنه ... فيضحي طليحاً كالبعير المحسر5
ولكن صعلوكاً صفيحة وجهه ... كضوء سراج القابس المتنور6
مطلاً على أعدائه يزجرونه ... بساحتهم زجر المنيح المشهر7
وإن بعدوا لا يأمنون اقترابه ... تشوف أهل الغائب المتنظر
فذلك إن يلق المنية يلقها ... حميداً، وإن يستغن يوماً فأجدر8
قال أبو الحسن: كذا أنشده،" فذلك" لأنه لم يرو أول الشعر، والصواب كسر الكاف، لأنه يخاطب امرأة، ألا تراه قال:
أقلي علي اللوم يا ابنة مالك ... ونامي، وإن لم تشتهي ذاك فاسهري9
قوله:
يحث الحصى عن جنبه المتعفر
يريد المتترب، والعفر والعفر: اسمان للتراب، من ذلك قولهم: عفرالله خده، ويقال للظبية: عفراء إذا كانت يضرب بياضها إلى حمرة، وكذلك الكثيب الأعفر.
وقوله: "كالبعير المحسر" هو المعيي،: يقال: جمل حسير، وناقة حسير، قال الله عز وجل: {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} 1.
وقوله:
وإن بعدوا لايأمنون اقترابه
على التقديم والتأخير، أراد: لايأمنون اقترابه وإن بعدوا، وهذا حسن في الإعراب إذا كان الفعل الأول في المجازاة ماضياٌ، كما قال زهير:
وإن2 أتاه خليل يوم مسألة ... يقول: لا غائب مالي ولا حرم
فإن كان الفل الأول مجزوماٌ لم يجز رفع الثاني إلا ضرورة، فسيبويه3 يذهب إلى أنه على التقديم والتأخير، وهو عندي على إرادة الفاء، لعلة تلزمه في مذهبه، نذكرها في باب المجازاة إذا جرى في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، فمن ذلك قوله:
يا أقرع بن حابس يا أقرع ... إنك إن يصرع أخوك تصرع
أراد سيبويه: إنك تصرع إن يصرع أخوك. وهو عندي على قوله: إن يصرع أخوك فأنت تصرع يا فتى، ونستقصي هذا في بابه إن شاء الله تعالى.
وقوله:
كيف ترين عنده مراسي
يقول للمرأة: عززتنى1 على شبهه. ويقال: أنجب الأولاد ولد الفارك. وذلك لأنها تبغض زوجها. فيسبقها بمائه. فيخرج الشبه إليه. فيخرج الولد مذكراً. وكان بعض الحكماء يقول: إذا أردت أن تطلب ولد المرأة فأغضبها، ثم قع عليها. فإنك تسبقها بالماء، وكذلك ولد الفزعة، كما قال، كما قال أبو كبير الهذلي:
من حملن به وهن عواقدٌ ... حبك النطاق فشب غير مهبل2
حملت به في ليلة مزؤودةٍ ... كرهاً، وعقد نطاقها لم يحلل
مزؤودة: ذات زؤدٍ، وهو الفزع، فمن نصب "مزؤودة "أراد المرأة. ومن خفض فإنه أراد الليلة، وجعل الليلة ذات فزع، لأنه يفزع فيها، قال الله عز وجل: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} 3 والمعنى: بل مكركم في الليل والنهار: وقال جرير:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ... ونمت، وما ليل المطي بنائم
وقال آخر:
فنام ليلي وتجلى همي4
وهذا الرجز ضد ما قال الآخر في ولده، فإنه أقر بأن امراته غلبته على شبهه، وذلك قوله:
نمت وعرق الخال لا ينام
يقول: عزتني أمه على الشبه، فذهبت به إلى أخواله. وقال آخر:
لقد بعثت صاحباً من العجم ... بين ذوي الأحلام والبيض اللملم 5
كان أبوه غائباً حتى فطم يقول: لم يسق غيلاً، وقال رسول اله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هممت أن أنهى أمتي عن الغيلة حتى علمت أن فارس والروم تفعل ذلك بأولادها، فلا تضير أولادها". والغيلة: أن ترضع المرأة وهي حامل، أو ترضع وهي تغشى. ويزعم أهل الطب من العرب والعجم أن ذلك اللبن داءٌ. وقالت أم تأبط شراً: والله ما حملته تضعاً - ووضعاً أيضأً - ولا وضعته تيناً، ولا سقيته غيلاً، ولا أبته مئقاً. وقال الأصمعي: ولا أبته على مأقةٍ.
قولها: "ما حملته تضعاً"، يقال إذا حملت المرأة عند مقتبل الحيض: حملته وضعاً وتضعاً، وإذا خرجت رجلاً المولود من قبل رأسه قيل: وضعته يتناً قال الشاعر:
فجاءت به يتناً يجر مشيمة1 ... تسابق رجلاه هناك الأناملا
ويقال للرجل إذا قلب الشيء عن جهته: جاء به يتناً قال عيسى بن عمر: سألت ذا الرمة عن مسألة، فقال لي: أتعرف اليتن? قلت: نعم، قال: فمسألتك هذه يتن. قال: وكنت قد قلت الكلام.
والغيل ما فسرناه.
وأما قولها: ولا أبته مئقاً، تقول: لن أبته مغيظاً: وذلك أن الخرقاء تبيت ولدها جائعاً مغموماً، لحاجته إلى الرضاع، ثم تحركه في مهده حتى يغلبه الدوار فينومه: والكيسة تشبعه وتغنيه في مهده، فيسري ذلك الفرح في بدنه من الشبع كما سرى ذلك الغم والجوع في بدن الآخر.
ومن أمثال العرب: "أنا تئق، وصاحبي مئق، فكيف نتفق? التئق: المملوء غيظاً وغضباً، والمئق: القليل الا حتمال، فلا يقع الاتفاق.
مصادر و المراجع :
١- الكامل في اللغة والأدب
المؤلف: محمد بن
يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)
المحقق: محمد أبو
الفضل إبراهيم
الناشر: دار
الفكر العربي - القاهرة
الطبعة: الطبعة
الثالثة 1417 هـ - 1997 م
31 مايو 2024
تعليقات (0)