المنشورات
من أمثال العرب
قال أبو العباس: من أمثال العرب: لم يذهب من مالك ما وعظك. يقول: إذا ذهب من مالك شيء، فحذرك أن يحل بك مثله، فتأديبه إياك عوضٌ من ذهابه.
ومن أمثالهم: رب عجلةٍ تهب ريثا. وتأويله أن الرجل يعمل العمل فلا يحكمه للاستعجال به، فيحتاج إلى أن يعود فينقضه ثم يستأنف، والريث الإبطاء، وراث عليه أمره إذا تأخر.
ومن أمثال العرب: عش ولا تغتر. وأصل ذلك أن يمر صاحب الإبل بالأرض المكلئة فيقول: أدع أن أعشي إبلي منها حتى أرد على أخرى، ولا يدري ما الذي يرد عليه.
وقريب منه قولهم: "أن ترد الماء بماء أكيس". وتأويله أن يمر الرجل بالماء فلا يحمل منه أتكالاً على ماءٍ آخر يصير إليه، فيقال له: أن تحمل معك ماء أحزم لك، فإن أصبت ماء آخر لم يضرك فإن لم تحمل فخفقت من الماء عطيت.
ومن أمثالهم: "قد أحزم لو أعزم"، يقول: أعرف وجه الحزم فإن عزمت فأمضيت الرأي فأنا حازمٌ، وإن تركت الصواب وأنا أراه وضيعت العزم لم ينفعني حزمي، ومثله قول النابغة الجعدي:
أبى لي البلاء وإني امرؤٌ ... إذا ما تبينت لم أرتب
وقال أعرابي يمدح سوار بن عبد الله:
وأوقف عند الأمر ما لم يضح له ... وأمضى إذا ما شك من كلام ماضيا
فالذي يحمد إمضاء ما تبين رشده، فأما الإقدام على الغرر وركوب الأمر على الخطر فليس بمحمود عندي ذوي الألباب، وقد يتحسن بمثله الفتاك، كما قال1:
عليكم بداري فاهدموها فإنها ... تراث كريم لا يخاف العواقبا
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه ... وأعرض عن ذكر العواقب جانبا
ولم يستشر في رأيه غير نفسه ... ولم يرض إلا قائم السيف صاحبا
فهذا شأن الفتاك، وقال الآخر:
غلام إذا ما هم بالفتك لم يبل1 ... ألامت قليلاً أم كثيراً عواذله
وقال آخر:
وما العجز إلا أن تشاور عاجزاً ... وما الحزم إلا أن تهم فتفعلا
فأما قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: من أكثر الفكرة في العواقب لم يشجع، فتأويله أنه من فكر في ظفر قرنه به، وعلوه عليه لم يقدم، وإنما كان الحزم عند علي رضي الله عنه أن يحظر أمر الدين ثم لا يفكر في الموت. وقد قيل له: أتقتل أهل الشام بالغداة، وتظهر بالعشي في إزار ورداءٍ? فقال: أبالموت أخوف? والله ما أبالي أسقطت على الموت، أم سقط الموت علي.
وقال للحسن ابنه: لا تبدأ بدعاءٍ إلى مبارزةٍ، فإن دعيت إليها فأجب، فإن طالبها باغٍ، والباغي مصروع.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلتف في كسائه، وينام ناحية المسجد، فلما ورد المرزبان2 عليه جعلوا يسألون عنه. فيقال: مر ههنا آنفاً، فيصغر في القلب المرزبان إذ رآه كبعض السوق، حتى انتهى إليه، وهو نائم في ناحية المسجد، فقال المرزبان: هذا والله الملك الهنيء. يقول: لا يحتاج إلى أحراس ولا عددٍ، فلما جلس عمر امتلأ قلب العلج منه هيبة لما رأى عنده من الجد والاجتهاد، وألبس من هيبة التقوى.
مصادر و المراجع :
١- الكامل في اللغة والأدب
المؤلف: محمد بن
يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)
المحقق: محمد أبو
الفضل إبراهيم
الناشر: دار
الفكر العربي - القاهرة
الطبعة: الطبعة
الثالثة 1417 هـ - 1997 م
31 مايو 2024
تعليقات (0)