المنشورات
حسان بن ثابت يهجو مسافع بن عياض التيمي
قال أبو العباس: قال حسان بن ثابت يهجو مسافع1 بن عياض التيمي، من تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، رهط أبي بكر الصديق رحمه الله:
لو كنت من هاشم أو من بني أسدٍ ... أو عبد شمس أو اصحاب اللوا الصيد
أو من بني نوفل أو رهط مطلبٍ ... لله درك لم تهمم بتهديدي
أو في الذؤابة من قوم ذوي حسبٍ ... لم تصبح اليوم نكساً ثاني الجيد
أومن بني زهرة الأخيار قد علموا ... أومن بني جمح البيض المناجيد
أو في السرارة من تيم رضيت بهم ... أو من بني خلف الخضر الجلاعيد
يا آل تيم ألاينهى سفيهكم ... قبل القذاف بقول كالجلاميد
لولا الرسول فإني لست عاصية ... حتى يغيبني في الرمس ملحودي
وصاحب الغار إني سوف أحفظك ... وطلحة بن عبد الله ذو الجود
لقد رميت بها شنعاء فاضحة ... يظل منها صحيح القوم كالمودي
قوله: "لو كنت من هاشم" يريد هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، والنضر أبو قريش، ومن كان من بني كنانة لم يلده النضر فليس بقرشي. وبنو أسد بن عبد العزى بن قصي. وعبد شمس هو عبد شمس2، بن عبد مناف بن قصي. وأصحاب اللواء بنو عبد الدار بن قصي. واللواء ممدود إذا أردت به لواء الأمير، ولكنه احتاج إليه فقصره، وقد بينا جواز ذلك، فأما اللوى من الرمل فمقصور، قال امرؤ القيس:
بسقط اللوى بين الدخول وحومل
كذا يرويه الأصمعي، وهذه أصح الروايات3.
وقوله: "أو من بني نوفل" فهو نوفل بن عبد مناف بن قصي. والمطلب الذي ذكره هو ابن عبد مناف بن قصي.
وقوله: "لم تصبح اليوم نكساً"، فالنكس الدنيء المقصر. ويقول بعضهم: إن أصل ذلك في السهام، وذلك أن السهم إذا ارتدع1 أو نالته أفة نكس في الكنانة ليعرف من غيره قال الحطيئة:
قد ناضلوك فأبدوا من كنانتهم
مجداً تليداً ونبلا غير أنكاس
قوله: "مجداً تليداً"، قالوا: نواصي الفرسان"2 الذين كان يمن عليهم.
وقوله: "ثاني الجيد" قد مر تفسيره في قول الله عز وجل: {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} 3 وقوله: "أو من بني زهرة"، فهو زهرة بن كلاب بن مرة. ويروى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "خلقت من خير حيين: من هاشم وزهرة" وبنو جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي.
وقوله: "الناجيد" مفاعيل، من النجدة، والواحدة منجاد، وإنما يقال ذلك في تكثير الفعل، كما تقول: رجل مطعان بالرمح، ومطعام للطعام.
وقوله:
أو في السرارة من تيم رضيت بهم
يقول: في الصميم منهم والموضع المرضي، وأصل ذلك في التربة، تقول العرب: إذا غرست فاغرس في سرارة الوادي، ويقال: فلان في سر قومه، والسرة مثل ذلك، قال القرشي:
هلا سألت عن الذين تبطحوا ... كرم البطاح وخير سرة واد4
وعن الذين أبو فلم يستكرهوا ... أن ينزلوا الولجات من أجياد1
يخبرك أهل العلم أن بيوتنا ... منها بخير مضارب الأوتاد
وقوله: "أو من بني خلف الخضر"، فإنه حذف التنوين لالتقاء الساكنين.
وليس بالوجه، وإنما يحذف من الحرف لالتقاء الساكنين حروف المد واللين، وهي الألف، والياء المكسور ما قبلها، والواو المضموم ما قبلها، نحو قولك: هذا قفا الرجل، وقاضي الرجل، ويغزو القوم، فلأما التنوين فجاز فيه هذا. لأنه نون في اللفظ، والنون تدغم في الياء والواو، وتزاد كما تزاد حروف المد واللين، ويبدل بعضها من بعض، فتقول: رأيت زيداٌ فتبدل الألف من التنوين، وتقول في النسب إلى صنعاء وبهراء2 صنعاني وبهراني، فتبدل النون من ألف التأنيت، وهذه جملة وتفسيرها كثير، فلذلك حذف، ومثل هذا من الشعر:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف
وقال آخر3:
حميد الذي أمجٌ داره ... أخو الخمر ذو الشيبة الأصلع4
وقرأ بعض القراء: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ} وسمعت عمارة بن عقيل يقرأ: {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 5، فقلت: ما تريد ? فقال: "سابقٌ النهار". وقوله: "أواصحاب اللوا"، فإنما6 خفف الهمزة،وتخفف إذا كان قبلها ساكنٌ، فتطرح حركتها على الساكن وتحذف، كقولك: من أبوك? وقوله عز وجل: {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} 1.
وخلف الذي ذكره من بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي.
وقوله: "الخضر الجلاعيد" يقال: فيه قولان: أحدهما أنه يريد سواد جلودهم2، كما قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهبٍ:
وأنا الأخضر من يعرفني ... أخضر الجلدة في بيت العرب
فهذا هو القول الأول. وقال آخرون: شبههم في جودهم بالبحور. وقوله: "الجلاعيد"، يريد الشداد الصلاب، واحدهم جلعدٌ، وزاد الياء للحاجة، وهذا جمعٌ يجيء كثيراً، وذلك أنه موضع تلزمه الكسرة، فتشبع فتصير ياءً، يقال في خاتم: خواتيم، وفي دانقٍ دوانيق، وفي طابق طوابيق قال الفرزدق في مثل هذا الجمع:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرةٍ ... نفي الدراهيم تنقاد الصياريف3
وقوله: "قبل القذاف" يريد المقاذفة، وهذه تكون من اثنين فما فوقهما، نحو المقاتلة والمشاتمة، فباب "فاعلت" إنما هو للاثنين فصاعداً، نحو قاتلت وضاربت، وقد تكون الألف زائدة في فاعلت فتبنى للواحد، كما زيدت الهمزة أولاٌ في "أفعلت "فتكون للواحد، نحو عاقبت اللص، وعافاه الله، وطارقت نعلي.
وقوله: "وصاحب الغار"، يعني أبا بكر رحمه الله، لمصاحبته النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغار، وهذا مشهور لايحتاج إلى تفسيره.
وطلحة بن عبيد الله نسبه إلى الجود لأنه كان من أجود قريش. وحدثني التوزي قال: كان يقال لطلحة بن عبيد الله: طلحة الطلحات، وطلحة الخير، وطلحة الجود. وذكر التوزي عن الأصمعي أنه باع ضيعةٌ له بخمسة عشر ألف درهم، فقسمها في الأطباق1. وفي بعض الحديث أنه منعه أن يخرج إلى المسجد أن له بين ثوبين2.
وحدثني العتبي في إسناد ذكره قال: دعا طلحة بن عبيد الله أبا بكر وعمر وعثمان رحمة الله عليهم، فأبطأ عنه الغلام بشيء أراده، فقال طلحة: يا غلام، فقال الغلام: لبيك فقال طلحة: لا لبيك فقال أبو بكر: ما يسرني أني قلتها وأن لي الدنيا وما فيها. وقال عمر: ما يسرني أني قلتها ولي نصف الدنيا. قال عثمان: ما يسرني أني قلتها وأن لي حمر النعم قال: وصمت عليها أبو محمد، فلما خرجوا من عنده باع ضيعةً بخمسة عش ألف درهم، فتصدق بثمنها.
وقوله:
يظل منها صحيح القوم كالمودي
فالمودي في هذا الموضع الهالك، وللمودي موضع آخر يكون فيه القوي الجاد، حدثني بذلك التوزي في كتاب الأضداد، وأنشدني3:
مودون السبيل السابلا4
مصادر و المراجع :
١- الكامل في اللغة والأدب
المؤلف: محمد بن
يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)
المحقق: محمد أبو
الفضل إبراهيم
الناشر: دار
الفكر العربي - القاهرة
الطبعة: الطبعة
الثالثة 1417 هـ - 1997 م
31 مايو 2024
تعليقات (0)