المنشورات
وصف الجود والحث على المبادرة به
ومما يستحسن في وصف الجود والحث على المبادرة به، وتعريف حد العاقبة فيه، قول النمر بن تولب العكلي، أحد بني عكل بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس1 بن مضر:
أعاذل إن يصبح صداي بقفرةٍ ... بعيداً نآني صاحبي وقريبي
تري أن ما أبقيت لم أك ربه ... وأن الذي أنفقت كان نصيبي
وذي إبل يسعى ويحسبها له ... أخي نصب في رعيها ودؤوب
غدت وغدا رب سواه يقودها ... وبدل أحجارا وجال قليب
قوله: "إن يصبح صداي بقفزة" فالصدى: على ستة أوجه: أحدها ما ذكرنا وهو ما يبقى من الميت في قبره، والصدى: الذكر من البوم، قال ابن مفرغ1:
وشريت برداً ليتني ... من بعد بردٍ كنت هامة2
هتافة تدعو صدى ... بين المشقر واليمامة
ويقال: فلان هامة اليوم أوغدٍ، أي يموت في يومه أو في غده. ويقال ذلك للشيح إذا أسن، والمريض إذا طالت علته، والمحتقر3 لمدة الآجال. وفي الحد يث أن حسلاً4 أباحذيفة بن حسل بن اليمان قال لشيخ آخر تخلف معه في غزوةأحدٍ: انهض بنا ننصر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنما نحن هامة اليوم أو غدٍ وكانا قد أسنا. والصدى: حشوة الرأس. يقال لذلك: الهامة والصدى وتأويل ذلك عند العرب في الجاهلية أن الرجل كان عندهم إذا قتل فلم يدرك به الثأر أنه يخرج من رأسه طائر كالبومة وهي الهامة والذكر: الصدى فيصيح على قبره. اسقوني اسقوني فإن قتل قاتله كف ذلك الطائر. قال ذو الإصبع5 العدواني أحد بني عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر:
ياعمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حيث تقول الهامة اسقوني
والصدى: ما يرجع عليك من الصوت إذا كنت بمتسع من الأرض، أو بقرب جبل، كما قال:
إني على كل إيساري ومعسرتي ... أدعو حنيفاً كما تدعى ابنة الجبل
يعني الصدى، وتأويله أنه يجيبني في سرعة إجابة الصدى. وقال آخر:
كأني إذ دعوت بني سليم ... دعوت بدعوتي لهم الجبالا
والصدأ، مهموز: صدأ الحديد وما أشبه، قال النابغة الذبياني:
سهكين من صدإ الحديد كأنهم ... تحت السنور جنة البقار1
وقال الأعشى:
فأما إذا ركبوا فالوجو ... هـ في الروع من صدإ البيض حم2
والصدى: مصدر الصدي، وهو العطشان، يقال: صدي يصدى صدى وهو صدٍ، قال طرفة:
ستعلم إن متنا صدى أينا الصدي3
وقال القطامي:
فهن ينبذن من قولٍ يصبن به ... مواقع الماء من ذي الغلة الصادي
تأويل قوله: "نآني" يكون على ضربين، يكون أبعدني، وأحسن [من] 4 ذلك أن يقول: "أنآني". وقد رويت هذه اللغة الأخرى، وليست بالحسنة، وإنما جاءت في حروف: يقال غاض الماء وغضته، ونزحت البئر ونزحته، وهبط الشيء وهبطنه، وبنو تميم يقولون: أهبطته، وأحرف سوى هذه يسيرة. والوجه في "فعل أفعلته"، نحو دخل وأدخلته، مات وأماته الله، فهذا الباب المطرد. ويكون "نآني" في موضع" نأى عني"، كما قال عز وجل: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} 5 أي كالوا لهم أو وزنوا لهم.
وقوله: "ودؤوب"، يقول: وإلحاح عليه، تقول: دأبت على الشيء، قال الشاعر6:
دأبت إلى أن ينبت الظل بعدما ... تقاصر حتى كاد في الآل يمصح
وقوله عز وجل: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} 7 يقول: كعادتهم وسنتهم، ومثله الدين والديدن، وقد مر هذا.
وقوله:
وبدل أحجاراٌ وجالٌ قليب
فالجال الناحية، يقال لكل ناحية من البئر والقبر وما أشبه ذلك: جال وجول، وقال مهلهل:
كأن رماحهم أشطان بئر ... بعيد بين جاليها جرور1
ويقال: رجل ليس له جول، أي ليس له عقل، وهذا الشعر نظير قول حاتم الطائي:
أماوي إن يصبح صداي بقفرةٍ ... من الأرض، لا ماء لدي ولا خمر
ترى أن ما أبقيت لم أك ربه ... وأن يدي مما بخلت به صفر
مصادر و المراجع :
١- الكامل في اللغة والأدب
المؤلف: محمد بن
يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)
المحقق: محمد أبو
الفضل إبراهيم
الناشر: دار
الفكر العربي - القاهرة
الطبعة: الطبعة
الثالثة 1417 هـ - 1997 م
1 يونيو 2024
تعليقات (0)