المنشورات

عبد الله بن محمد بن أبي عيينه

وقال عبد الله بن محمد بن أبي عيينه يعاتب رجلاً من الأشراف:
أتيتك زائراً لقضاء حق ... فحال الستر دونك والحجاب
وعندك معشر فيهم أخ لي ... كأن إخاءه الآل السراب
ولست بساقط في قدر قوم ... وإن كرهوا كما يقع الذباب
ورائي مذهب عن كل ناء ... بجانبه إذا عز الذهاب
وقال أيضاً:
كنا ملوكاً إذا كان أولنا ... للجود والبأس والعلا خلقوا
كانوا جبالاً عزا يلاذ بها ... ورائحاتٍ بالوبل تنبعق1
كانوا بهم ترسل السماء على الـ ... أرض غياثاً ويشرق الأفق
لا يرتق الراتقون إن فتقوا ... فتقاً ولا يفتقون مارتقوا
ليسوا كمعزى مطيرةٍ بقيت ... فما بها من سحابةٍ لثق2
والضعف والجبن عند نائبةٍ ... تنوبهم والحذار والفرق
لهذا زمانٌ بالناس منقلبٌ ... ظهراً لبطنٍ جديده خلق
الأسد فيه على براثنها ... مستأخراتٌ تكاد تمزق
وكان سبب قوله هذا الشعر أن إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس كان له صديقاً، وكان عبد الله بن محمد بن أبي عيينه من رؤساء من اخذ البصرة للمأمون في أيام المخلوع، وكان معاضداً لطاهر بن الحسين في حروبه، وكان إسماعيل بن جعفر جليل القدر، مطاعاً في مواليه وأهله،وكانت الحال بينهما ألطف حال، فوصله ابن أبي عيينه بذي اليمينين فولاه البصرة وولى ابن أبي عيينه اليمامة والبحرين وغوص البحر فلما رجعا إلى البصرة تنكر إسماعيل لابن أبي عيينه، فهاج بينهما من التباعد على مثال ما كان بينهما من المقاربة، ثم عزل ابن أبي عيينه فلم يزل يهجو من أهله من يواصل إسماعيل، وكان أكبر أهله قدراً في ذلك الوقت يزيد بن المنجاب، وكان أعود قائم العين لم يطاع على علته إلا بشعر ابن أبي عيينه، وكان منهم. وكان سيد أهل البصرة محمد بن عباد بن حبيب بن الملهب، ومنهم سعيد بن المهلب بن المغيرة بن حرب بن محمد بن ملهب بن أبي صفرة، وكان قصيراً، وكان ابن عباد احول، فذلك حيث يقول ابن أبي عيينه في هذا الشعر الذي أمليناه:
تستقدم النعجتان والبرق1 ... في زمن سرو أهله الملق
عور وحول ثالث لهم ... كأنه بين أسطرٍ لحق2
ولهم يقول ولاثنين ظن أنهما معهم، وقد مروا به يريدون إسماعيل بن جعفر:
ألا قل لرهطٍ خمسةٍ أو ثلاثة ... يعدون من أبناء آل الملهب
على باب إسماعيل روحوا وبكروا ... دجاج القرى مبثوثة حول ثعلب
وأثنوا عليه بالجميل فإنه ... يسر لكم حبا هو الحب واقلب
يلين لكم عند اللقاء موارباً ... يخالفكم منه بناتٍ ومخلب
ولولا الذي تولونه لتكشفت ... سريرته عن بغضةٍ وتعصب
أبعد بلائي عنده إذا وجدته ... طريحاً كنصل القدح لما يركب
به صدأ قد عابه فجلوته ... بكفي حتى ضوؤه ضوء كوكب
وركبته في خوط نبع وريشة ... بقادمتي نسر ومتن معقب3
فما إن أتاني منه إلا مبوأ ... إلي بنصل كالحريق مذرب
ففللت منه حده وتركته ... كهدية ثوب الخز لما يهدب1
رضيتم بأخلاق الدّني وعفتم ... خلائق ماضيكم من العم والأب
وفي هذا يقول لطاهر بن الحسين:
مالي رأيتك تدني منتكثٍ ... إذا تغيب ملتاثٍ إذا حضرا2
إذا تنسم ريح الغدر قابلها ... حتى إذا نفخت في انفه غدراً
ومن يجيء على التقرب منك له ... وأنت تعرف فيه الميل والصعرا
أحلك الله من قحطان منزلةً ... في الرأس حيث احل السمع والبصرا
فلا تضع حق قحطان فتغضبها ... ولاربيعة كلا لا ولا مضرا
أعط الرجال على مقدار أنفسهم ... وأول كلا بما أولى وما صبرا
ولا تقولن وإني لست من أحد ... لا تمحق النيرين الشمس والقمرا
ويقول له في أخرى:
هو الصبر والتسليم لله والرضا ... إذا نزلت بي خطة لا أشاؤها
إذا نحن أبنا سالمين بأنفس ... كرام رجت أمراً فخاب رجاؤها
فأنفسنا خير الغنيمة إنها ... تؤوب وفيها ماؤها وحياؤها
هي الأنفس الكبر التي إن تقدمت ... أو استأخرت فالقتل بالسيف داؤها
سيعلم إسماعيل انه عداوتي ... له ريق أفعى لايصاب دواؤها
ولما حمل إسماعيل مقيداً ومعه أبناه أحدهما في سلسلة مقروناً معه، وكان الذي تولى ذلك أحمد بن أبي خالد في قصة كانت لإسماعيل أيام الخضرة3 فقال ابن أبي عيينه في ذلك:
مرّ إسماعيل وابنا ... هـ معاً في الأسراء
جالساً في محملٍ ضن ... كٍ على غير وطاء
يتغنى القيد في رجـ ... ـليه ألوان الغناء
باكياً لا رقأت عيـ ... ـناه من طول البكاء
يا عقاب الدّجن في الأمـ ... ـن وفي الخوف ابن ماء 1
وقد كان تطير عليه بمثل ما نزل به، فمن ذلك قوله:
لا تعدم العزل يا أبا الحسن ... ولا هزالاً في دولة السمن
ولا انتقالاً من دار عافيةٍ ... إلى ديار البلاء والفتن
ولا خروجاً إلى القفار من الـ ... أرض وترك الأحباب والوطن
كم روحه فيك لي مهجرةٍ ... ودلجةٍ في بقية الو سن
في الحر والقرّ كي تولى على الـ ... بصرة عين الأمصار والمدن
إني أحاجيك يا أبا حسنٍ ... ما صورةٌ صورت فلم تكن?
وما بهيّ في العين منظره ... لو وزنوه با لزّفّ لم يزن?2
ظاهره رائعٌ وباطنه ... ملآن من سوءٍ ومن درن3
وهذا الشعر اعترض له فيه عمر بن زعبل، مولى بني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، وكان منقطعاً إلى إسماعيل وولده، وكان لا يبلغ ابن أبي عيينه في الشعر ولا يدانيه، ومن أمثل شعره وما اعترض له به قوله:
إني أحاجيك ما حنيفٌ على الـ ... فطرة باع الرباح بالغبن
وما شييخٌ من تحت سدرته ... معلقٌ نعله على غصن?
ما سيوفٌ حمرٌ مصقلةٌ ... قد عرّيت من مقابض السفن4?
وما سهامٌ صفرٌ مجوّفةٌ ... تخشى خيوط الكتان والقطن?
وما ابن ماءٍ إن يخرجوه إلى الأر ... ض تسل نفسه من الأذن?
وما عقاب زوراء تلحم من ... خلف فتهوي قصداً على سنن?5
لها جناحان يحفزان بها ... نيطاً إليها بجذوتي وسن
يا ذا اليمينين اضرب علاوته6 ... يدفع وماني في النار في قرن7
فأجاب إبراهيم السواق مولى آل المهلب وكان مقدماً في الشعر بأبيات لا أحفظ اكثرها، منها:
قد قبل ما قيل في أبي حسن ... فانتحروا في تطاول الزمن
وهذا السواق هو الذي يقول لبسر بن داود بن يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب:
سماؤك تمطر الذهبا ... وحربك تلتظي لهبا
وأي كتيبةٍ لاقتـ ... ـك لم تستحسن الهربا
ومن شعره السائر:
هبيني يا معذبتي أسأت ... وبالهجران قبلكم بدأت
فأين الفضل منك فدتك نفسي ... عليّ إذا أسأت كما أسأت!
ولابن أبي عيينه في هذا المعنى أشعار كثيرة في معاتبات ذي اليمينين وهجاء إسماعيل وغيره، سنذكرها بعد في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
ومن شعره المستحسن قوله في عيسى بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، وكان تزوج امرأة منهم يقال لها فاطمة بنت عمر بن حفص هزارمرد1، وهو من ولد قبيصة بن أبي صفرة، ولم يلده المهلب، وكان يقال لأبي صفرة ظالم ين سرّاق:
أفاطم قد زوجت عيسى فأيقني ... بذل لديه عاجلٍ غير آجل
فإنك قد زوجت من غير خبرةٍ ... فتى من بني العباس ليس بعاقل
فإن قلت من رهط النبي فإنه ... وإن كان حر الأصل عبد الشمائل
فقد ظفرت كفاه منك بطائل ... وما ظفرت كفاك منه بطائل
وقد قال فيه جعفر ومحمدٌ ... أقاويل حتى قالها كل قائل
وما قلت ما قالا لأنك أختنا ... وفي السر منا والذرا والكواهل
لعمري لقد أثبته في نصابه ... بأن صررت منه في محلل الحلائل
إذا ما بنو العباس يوماً تبادروا ... عرا المجد وابتاعوا كرام الفضائل
رأيت أبا العباس يسمو بنفسه ... إلى بيع بياحاته والمباقل1
يرخم بيض العام تحت دجاجه ... ليخرج بيضاً من فراريج قابل
وقال أبو العباس: وولد عيسى من فاطمة هذه لهم شجاعةٌ ونجدةٌ وشدة أبدان، وفاطمة التي ذكرها هي التي كان ينسب بها أبو عيينه أخو عبد الله ويكني عنها بدنيا، ومن ذلك قوله لها:
دعوتك بالقرابة والجوار ... دعاء مصرحٍ بادي السرار
لأني عنك مشتغل بنفسي ... ومحترقٌ عليك بغير نار
وأنت توفرين وليس عندي ... على نار الصبابة من وقار
فأنت لأن ما بك دون ما بي ... تدارين العيون ولا أدري
ولو والله تشتاقين شوقي ... جمحت إلي خالعة العذار
وقال عبد الله يعاتب ذا اليمينين:
من مبلغ عني الأمير رسالةً ... محصورةً عندي عن الإنشاد
كل المصائب قد تمر على الفتى ... فتهون غير شماتة الحساد
وأظن لي منها لديك خبيثةً ... ستكون عند الزاد آخر زاد
مالي أرى أمري لديك كأنه ... من ثقله طود من الأطواد!
وأراك ترجيه وتمضي غيره ... في ساعة الإصدار والإيراد
الله يعلم ما أتيتك زائراً ... من ضيق ذات يد وضيق بلاد
لكن أتيتك زائراً لك راجياً ... بك رتبة الآباء والأجداد
قد كان لي بالمصر يومٌ جامعٌ ... لك مصلحٌ فيه لكل فساد
ودعوت منصوراً فأعلن بيعةً ... في جمع أهل المصر والأجناد
في الأرض منفسحٌ ورزق واسع ... لي عنك في غوري وفي إنجادي
وقال أيضاً يعاتبه:
أيا ذا اليمينين إن العتا ... ب يغري صدوراً ويشفي صدوراً
وكنت أرى أن ترك العتا ... ب خير وأجدر ألا يضيرا
إلى أن ظننت بأن قد ظننت ... بأني لنفسي أرضى ألا الحقيرا
فأضمرت النفس في وهمها ... من الهم هما يكد الضميرا
ولابد للماء في مرجل ... على النار موقدة أن يفورا
ومن أشرب اليأس كان الغني ... ومن أشرب الحرص كان الفقيرا
علام وفيم أرى طاعتي ... لديك ونصري لك الدهر بورا
ألم أك بالمصير أدعو البعيد ... إليك وأدعو القريب العشيرا
ألم اك أول آتٍ أتاك ... بطاعة من كان خلفي بشيرا
وألزم غرزك في ماقط الـ ... ـحروب عليها مقيماُ صبوراً1
ففيم تقدم جفالةً ... إليك أمامي وأدعي أخيرا2
كأنك لم تر أن الفتى الـ ... حمي إذا زار يوماً أميرا
فقدم من دونه قبله ... ألست تراه يسخطٍ جديراً!
ألست ترى أن سف التراب ... به كان أكرم من أن يزورا
ولست ضعيف الهوى والمدى ... أكون الصبا وأكون الدبورا
ولكن شهاب فإن ترم بي ... مهما تجد كوكبي مستنيراً
فهل لك في الإذن لي راضياً ... فإني أرى الإذن غنماً كبيرا
وكان لك الله فيما ابتعثت ... له من جهاد ونصر نصيراً
ولاجعل الله في دولةٍ ... سبقت إليها وريح فتورا
فإن ورائي لي مذهباً ... بعيداً من الأرض قاعاً وقورا3
به الضب تحسبه بالفلاة ... إذا خفق الآل فيها بعيرا
ومالاً ومصراً على أهله ... يد الله من جائر أن يجورا
وإني لمن خير سكانه ... وأكثرهم بنفيري نفيراً
وقال عبد الله لعلي بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وكان دعاه إلى نصرته حين ظهرت المبيضة4 فم يجبه، فتوعده علي، فقال عبد الله:
أعلي إنك جاهل مغرور ... لاظلمةٌ لك، لا ولا لك نود
أكتبت توعدني إذا استبطأتني ... إني بحربك ما حييت جدير
فدع الوعيد فما وعيدك ضائري ... أطين أجنحة البعوض يضير
وإذا ارتحلت فإن نصري للألى ... أبوهم المهدي والمنصور
نبتت عليه لحومنا ودماؤنا ... وعليه قدر سعينا المشكور
وقال عبد الله قتل داود بن يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب من قتل بأرض السند بدم أخيه المغيرة بن يزيد:
أفنى تميماً سعدها وربابها ... بالسند قتل مغيرة بن يزيد
صعقت عليهم صعقةٌ عتكيةٌ1 ... جعلت لهم يوماً كيوم ثمود
ذاقت تميمٌ عركتين عذابنا ... بالسند من عمر ومن داود
قدنا الجياد من العراق إليهم ... مثل القطا مستنةً لورود2
يحملن من ولد المهلب عصبةً ... خلقت قلوبهم قلوب أسود
وفي المغيرة يقول في قصيدة مطولة:
إذا كر فيهم كرةً أفر جواله ... فرار بغاث الطير صادفن أجدلا
وما نيل إلا من بعيد بحاصبٍ ... من النيل والنشاب حتى تجدلا
وإني لمثن بالذي كان أهله ... أبو حاتم إن ناب دهر فأعضلا
فتى كان يستحيي من الذم أن يرى ... له مخرجاً يوماً عليه ومدخلاً
وكان يظن الموت عاراً على الفتى ... يد الدهر إلا أ، يصاب فيقتلا
منيّة أبناء المهلب أنهم ... يرون بها حتماً كتاباً معجلاً
وقد أطلق الله اللسان بقتل من ... قتلنا به منهم ومنّ وأفضلا
أناخ بهم داود يصرف نابه ... ويلقي عليهم كللاً ثمّ كللاً
يقتلهم جوعاً إذا ما تحصنوا ... وتقربهم هوج المجانيق جندلا
وهذا الشعر عجيب من شعره.
وفي هذه القصة يقول:
أبت إلا بكاءً وانتحابا ... وذكرا للمغيرة واكتئاباً
ألم تعلم بأن القتل ورد ... لنا كالماء حين صفا وطابا
وقلت لها: قري وثقي بقولي ... كأنك قد قرأت به كتابا
فقد جاء الكتاب به فقولي ... ألا لا تعدم الرّأي الصّوابا
جلبنا الخيل من بغداد شعثاً ... عوا بس تحمل الأسد الغضابا
بكل فتى أعزّ مهلّبيّ ... تخال بضوء صورته شهاباً
ومن قحطان كل أخي حفاظٍ ... إذا يدعى لنائبه أجايا
فما بلغت قرى كرمان حتى ... تخدّد لحمها عنها فذابا
وكان لهنّ في كرمان يوم ... أمر على الشراة بها الشرابا1
وإنّا تاركون غداً حديثاً ... بأرض السّند سعداً والرّبابا
تفاخر بابن أحورها تميمٌ ... لقد حان المفاخر لي وخابا
وفي مثل هذا البيت الأخير يقول أبو عيينه:
أعاذل صه لست من شيمتي ... وإن كنت لي ناصحاً مشفقا
أراك تفرقني دائباً ... وما ينبغي لي أن أفرقا2
أنا ابن الذي شاد لي منصباً ... وكان السّماك إذا حلقا
قريع العراق وبطريقهم ... وعزهم المرتجى المتّقى
فمن يستطيع إذا ما ذهبـ ... ـت أنطق في المجد أن ينطقا
أنا ابن المهلب ما فوق ذا ... لعالٍ إلى شرفٍ مرتقى
فدعني أغلب ثياب الصبا ... بجدّتها قبل أن تخلقا
قال أبو الحسن: وهذا شعر حسنٌ، أوله:
ألم تنه نفسك أن تعشقا ... وما أنت والعشق لولا الشّقا
أمن بعد شربك كأس النّهى ... وشمك ريحان أهل النّقا
عشقت فأصبحت في العاشقي ... ن أشهر من فرس أبلقّا
ثم قال:
أعاذل صه لست من شيمتي
ثم قال بعد قوله:
فدعني أغلي ثياب الصّبا
أدنياي من غمر بحر الهوى ... خذي بيدي قبل أن أغرقا
أنا لك عبدٌ فكوني كمن ... إذا سره عبده أعتقا
وقال أبو الحسن: قوله "أنا لك عبدٌ" فوصل بالألف، فهذا إنما يجوز في الضرورة، والألف تثبت في الوقف لبيان الحركة، فلم يحتج إلى الألف، زمن أثبتها في الوصل قاسه على الوقف للضرورة، ظن كقوله:
فإن يك غثّاً أو سميناً فإنّني ... سأجعل عيينة لنفسه مقنعا
لأنه إذا وقف على الهاء وحدها، فأجرى الوصل على الوقف، وأنشدوا قول الأعشى:
فكيف أنا وانتحال القوا ... ف بعد المشيب كفى ذاك عاراً
والرواية الجيدة:
فكيف يكون انتحالي القواف بعد المشيب
سقى الله دنيا على نأيها ... من القطر منبعقاً ريّقاً
ألم أخدع النّاس عن حبّها ... وقد يخدع الكيس الأحمقا
بلى وسبقتهم إنّني ... أحب إلى المجد أن اسبقا
ويوم الجنازة إذا أرسلت ... على رقبةٍ أن جيء الخندقا
إلى السال فاختر لنا مجلساً ... قريباً وإياك أن تخرقا
هذا مما يغلط فيه عامة أهل البصرة، يقولون: السال بالخفيف، وإنما هو السال يا هذا، وجمعه سلاّن، وهو الغالّ وجمعه غلاّنٌ، وهو الشّقّ الخفيّ في الوادي:
فكنّا كغصنين من بانةٍ ... رطيبين حدثان ما أورقا
فقالت لترب لها استنشديـ ... ـه من شعره الحسن المنتقى
فقلت أمرت بكتمانه ... وحذرت إن شاع أن يسرقا
فقالت بعيشك! قولي له ... تمتّع لعلّك إن تنفقا
قوله: "لعلك أن تنفقا" اضطرار، وحقه "لعلك تنفق". لأن لعلّ من أخوات إن فأجريت مجراها، ومن أتى بأن فلمضارعتها عسى، كما قال متمم بن نويرة:
لعلك يوماً أن تلم ملمةٌ ... عليك من الللاّئي يدعنك أجدعا
وهو كثير.
قال أبو العباس: وزعم أبو معاذ النميري أنه يعتاد عبد الله بن محمد بن أبي عيينة، ويكثر المقام عنده، وكان راوية للشعره، وأم أبن أبي عيينة بن المهلب يقول لها: خيرة وهي من بني سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر ابن صعصعة، فأبطأت عليه أياماً فكتب إلي:
تمادى في الجفاء أبو معاذ ... وراوغني ولاذ بلا ملاذ
ولولا حق أخوالي قشير ... أتته قصائد غير اللّذاذ
كما راح الهلال بن حرب ... به سمة على عنق وحاذ1
يعني محمد بن حرب بن قبيصة بن مخارق الهلالي، وكان من أقعد الناس.
ولقبيصة بن المخارق صحبة لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان قد سار إليه فأكرمه وبسط له رداءه وقال: "مرحباً بخالي"!، فقال: يا رسول الله، رق جلدي، ودق عظمي، وقلي مالي، وهنت على أهلي! فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لقد أبكيت بما ذكرت ملائكة المساء".
ومحمد بن حرب هذا ولي شرطة البصرة سبع مرات، وكان على شرطة جعفر بن سليمان على المدينة، وكان كثير الأدب فأغضب، ابن أبي عيينة في حكم جرى عليه بحضرة إسحاق بن عيسى - وكان على شرطته إذا ذاك - ففي ذلك يقول عبد الله بم أبي عيينة:
بأخوالي وأعمامي أقامت ... قريشٌ ملكها وبها تهاب
متى ما أدع أخوالي لحرب ... وأعمامي لنائبه أجابوا
أنا أبن أبي عيينة فرع قومي ... وكعب والدي وأبي كلاب
خلا ابن عكابة الظربان سهل ... له فسو تصاد به الضّباب
وآخر من هلال قد تداعى ... فصار كأنه الشّيء الخراب














مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید