المنشورات

جرير وقد نزل بقوم من بني العنبر فلم يقروه

قال جرير ونزل بقوم من بني العنبر بن تميم فلم يقروه حتى اشترى منهم القرى فانصرف وهو يقول:
يا مالك بن طريفٍ إنّ بيعتكم ... رفد القرى مفسدّ للديّن والحسب
قالوا نبيعكه بيعاً فقلت لهم ... بيعوا الموالي واستحيوا من العرب
لولا كرام طريفٍ ما غفرت لكم ... بيعي قراي ولا أنسأتكم غضبي
هل أنتم غير أو شابٍ زعانفهٍ ... ريش الذّنابى وليس الرأس كالذّنب
وقوله: "يا مالك بن طريف" فمن نصب، فإنما هو على انه جعل "ابناً" تابعاً لما قبل، كالشيء الواحد، وهو اكثر في الكلام إذا كان اسماً علماً منسوباً إلى اسم علم، ابن مع ما قبله بمنزلة الشيء الواحد، ومثل ذلك:
يا حكم بن المنذر بن الجارود،1
ومن وقف على الاسم الأول، ثم جعل الثاني نعتاً لم يكن في الأول2 إلا الرفع، لنه مفرد نعت بمضاف، فصار كقولك: يا زيد ذا الجمة.
وقوله: "ولا أنساكم غضبي"، يقول: لم أؤخره عنكم، يقال: نسأ الله في أجلك، وأنسأ الله أجلك، والنّسيء من هذا، ومعناه تأخير شهر عن شهر، وكانت النّسأة من بني مدلج بن كنانة، فأنزل الله عز وجلّ: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} 3 لأنهم كانوا يؤخرون الشهور، فيحرمون غير الحرام، ويحلّون غير الحلال، لما يقدّرونه من حروبهم وتصرّفهم، فاستوت الشهور لمّا جاء الإسلام، وأبان ذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله: "إن الزّمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السّموات والأرض".
وقوله:
هل انتم غير أو شابٍ زعانفةٍ فالأشابة جماعة تدخل في قوم وليست منهم، وإنما هو مأخوذ من المر الأشب، أي المختلط، ويزعم بعض الرواة ان اصله فارسي أعرب، يقال بالفارسية: وقع القوم في آشوب [أي] 1 في اختلاط، ثم تصرّفت فقيل: تأشّب النبت، فصنع منه فعل2.
وأما الزّعانف فأصلها أجنحة السّمك، قال أوس بن حجر:
ومازال يفري الشدّ حتّى كأنما ... قوائمه في جانبيه زعانف3
وتزعم الرّواة أن ما أنفت منه جلّة الموالي هذا البيت، يعني قول جرير:
بيعوا الموالي واستحيوا من العرب
لأنه حطّهم ووضعهم، ورأى أن الإساءة إليهم غير محسوبة عيباً. ومثل ذلك قول المنتجع لرجل من الأشراف: ما علّمت والدك? قال: الفرائض، قال: ذلك قول المنتجع لرجل من الأشراف: ما علّمت والدك? قال: الفرائض، قال: ذلك علم الموالي لا أبالك! علمهم الرجز، فإنه يهرّث أشداقهم4. ومن ذلك قول الشّعبيّ ومر بقوم من الموالي يتذكرون النحو فقال، لئن أصلحتموه إنكم لأوّل أفسده! ومن ذلك قول عنترة:
فما وجدنا بالفروق أشابةً ... ولا كشفا ولا دعينا موالياً5
ومن ذلك قول الآخر:
يسمّوننا الأعراب العرب اسمنا ... وأسماؤهم فينا رقاب المزاود
يريد أسماؤهم عندنا الحمراء، وقول العرب: ما يخفى ذلك على الأسود والحمر. يريد العربيّ والعجميّ. وقال المختار لإبراهيم بن الأشتر يوم خازر6 وهو اليوم الذي قتل فيه عبيد الله بن زياد: إن عامّة جندك هؤلاء الحمراء، وإن الحرب إن ضرّستهم هربوا، فاحمل العرب على متون الخيل، وأرجل الحمراء أمامهم.
ومن ذلك قول الأشعث بن قيس لعلي بن أبي طالب رحمة الله، وأتاه يتخطى رقاب الناس، وعليّ على المنبر فقال: يا أمير المؤمنين، غلبتنا هذه الحمراء على قربك، قال: فركض عليّ المنبرٌ برجله، فقال صعصعة بن صوجان العبديّ: مالنا ولهذا? يعني الشعث، ليقولنّ أمير المؤمنين اليوم في العرب قولاً لا يزال يذكر، فقال عليٌّ من يعذرني من هذه الضّياطرة، يتمرّغ أحدهم على فراشه تمرغ الحمار، ويهجّر قومٌ للذّكر، فيأمرني إن أطردهم، ما كنت لأطردهم فأكون من الجاهلين، والذي فلق الحبة، وبرأ النّسمة، ليضربنّكم على الدّين عوداً كما ضربتموهم عليه بدءاً.
قوله: "الضياطرة" واحدهم ضيطرٌ وضيطارٌ، وهو الأحمر العضل الفاحش، قال خداش بن زهير:
وتركب خيلٌ لا هوادة بينها ... وتشقى الرّماح بالضّياطرة الحمر
وإنما قال جريرٌ لبني العنبر:
هل أنتم غير أو شابٍ زعانفةٍ
لأن النّسّابين يزعمون ان العنبر بن عمرو بن تميم، إنما هو ابن عمرو بن بهراء، وأمّهم أم خارجية البجليّة التي يقال لها في المثل: "أسرع من نكاح أمّ خارجة"، فكانت قد ولدت في العرب في نيّفٍ وعشرين حياً من آباءٍ متفرقين، وكان يقول لها الرجل: خطبٌ? فتقول: نكحٌ! كذلك قال يونس بن حبيب، فنظر بنوها إلى عمرو بن تميم قد ورد بلادهم، فأحسّوا بأنه أراد أمتهم، فبادروا إليه ليمنعوه تزوّجها، وسبقهم لأنه كان راكباً، فقال لها: إنّ فيك لبقيّة? فقالت: إن شئت. . .، فجاؤوا وقد بنى عليها، ثم نقلها بعد إلى بلده، فتزعم الرواة أنها جاءت بالعنبر معها صغيراً، وأولدها عمرو بن تميم أسيّداً والجهيم والقليب، فخرجوا ذات يوم يستقون فقلّ عليهم الماء، فأنزلوا مائحاً من تميم، فجعل المائح يملأ الدلو إذا كانت للهجيم وأسيّد والقليب، فإذا وردت دلو العنبر تركها تضطرب، فقال العنبر:
قد رابني من دلوي اضطرابها ... والنّأي عن بهراء واغترابها
إلا تجيء ملأى يجيء قرابها1
فهذا قول النّسّابين.
وبروى أن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال يوماً لعائشة رحمها الله، وقد كانت نذرت أن تعيق قوماً من ولد إسماعيل، فسبي قوم من بني العنبر، فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن سرّك ان تعتقي الصميم من ولد إسماعيل فأعتقي من هؤلاء". فقال النّسّابون: فبهراء من قضاعة، وقد قيل قضاعة من بني معدّ، فقد رجعوا إلى إسماعيل.
ومن زعم أن قضاعة من بني مالك بن حمير وهو الحق قال: فالنسب الصحيح في قحطان الرّجوع إلى إسماعيل وهو الحق وقول المبّرزين من العلماء: غنما العرب المتقدمة من أولاد عابر، ورهطه عاد وطسم وجديس وجرهموالعماليق، فاما قحطان عند أهل العلم، فهو ابن الهميسع بن تيمن بن نبت بن قيذار بن إسماعيل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد رجعوا إلى إسماعيل، وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوم من خزاعة وقيل من الأنصار: "ارموا يا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً".











مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید