المنشورات

رثاء الأشتر

وقالت أخت الأشتر، وهو مالك بن الحارث النّخعيّ تبكّيه، وهذا الشعر رواه أبو اليقضان، وكان متعصباً:
أبعد الأشتر النّخعيّ نرجو ... مكاثرةً ونقطع بطن واد!
ونصب مذحجاً بإخاء صدق ... وإن ننسب فنحن ذرا إياد
ثقيف عمنا وأبو أبينا ... وإخوتنا نزار أولوا السّداد
قوله: "وانتم صغار الهام حدلٌ"، فلأحدل المائل العنق، يقال: قوس حدلاء إذا اعوجّت سيتها، قال الراجز:
لها1 متاعٌ ولهاةٌ فارض ... حدلاء كالزقّ نحاه الماخض
وأما قوله: "زباد" يا فتى، فله باب نذكره على وجهه باستقصاء بعد فراغنا من تفسير هذا الشعر.
وقوله: "لقد ما قصّروا". فما زائدة، مثل قوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} 2، ولو قال: لقدماً قصّروا لم يكن جيداً، ودخل الوليد في الذم.
وقوله: "كمنزيةٍ عيراً خلاف جواد" يقول: بعد جواد، قال الله عز وجل: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ} 1.
وقوله: "لافي كفاء" يقال: هو كفؤك وكفؤك وكفيئك وكفاؤك، وإذا كان عديلك في شرف أو ما أشبه، كما قال الفرزدق:
وتنكح في أكفانها الحبطات
أول هذا البيت:
بنو دارم أكفاؤهم آل مسمع
وآل مسمع: بيت بكر بن وائل، والحبطات هم بنو الحارث بن عمرو بن تميم، وإنما قال هذا الفرزدق حين بلغة أن رجلا من الحبطات خطب امرأة من بني دارم بن مالك، فأجابه رجل من الحبطات:
أما كان عبّادٌ كفيئا لدارم ... بلى ولأبياتٍ بها الحجرات
عبّاد، يعني بني هاشم، وقد تقدم هذا البيت للفرزدق في مواضع، وقال الله عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} 2، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لأمنعنّ النساء إلا من الأكفاء، وتحدّث أصحابنا عن الأصمعي عن إسحاق بن عيسى. قال: قلت لأمير المؤمنين الرّشيد أو المهديّ: يا أمير المؤمنين، من أكفاؤنا? قال: أعداؤنا، يعني بنى أميّة، وزيادٌ الذي ذكركان أخاها".
هذا التفسير ما كان من المؤنث على "فعال" مكسور الآخر.
وهو على أربعة أضرب، والأصل واحد.
قال أبو العباس: اعلم أنه لا يبنى شيء من هذا الباب على الكسر إلا وهو مؤنث معرفة معدولٌ عن جهته، وهو في المؤنث بمنزلة فعل، نحو عمر وقثم في المذكر، وفعل معدول في حال المعرفة عن فاعلٍ وكان فاعلٌ ينصرف، فلما عدل عنه فعل لم ينصرف، وفعال معدول عن فاعلة لا ينصرف في المعرفة فعدل إلى البناء، لأنه ليس بعد ما لا ينصرف إلا المبنيّ، وبني وبني على الكسر لأن في فاعلة علامة التأنيث، وكان أصل هذا أن يكون إذا أردت به الأمر ساكناً كالمجزوم من الفعل الذي هو في معناه، فكسرته لالتقاء الساكنين، مع ما ذكرنا من علامة التأنيث والكسر مما يؤنث به فلم يخل من العلامة، تقول للمرأة: أنت فعلت، فالكسر علامة التأنيث، وكذلك إنك ذاهبة، ضربتك يا امرأة، فمما لا يكون إلا معرفة مكسوراً ما كان اسماً للفعل نحو نزال يا فتى، ومعناه انزل وكذلك تراك زيداً أي اتركه، فهما معدو لان عن المتاركة والمنازلة، وهما مؤنثان معرفتان، يدلك على التأنيث القياس الذي ذكرنا، قال الشاعر تصديقاً لذلك:
ولنعم حشو الدّرع أنت إذا ... دعيت نزال ولجّ في الذّعر
فقال: دعيت لما ذكرته لك من التأنيث، وقال الآخر، وهو زيد الخيل:
وقد علمت سلامة أن سيفي ... كريهٌ كلما دعيت نزال
وقال الشاعر:
تراكها من إبل تراكها ... أما ترى الموت لدى أوراكها
أي اتركها. وقال آخر1:
حذار من أرحامنا حذار
وقال آخر2:
نظار كي أركبه نظار
فهذا باب من الأربعة.
ومنها إن يكون صفة غالبة تحلّ محل الاسم، نحو قولهم للضّبع: جعار يا فتى، وللمنية حلاق يا فتى، لأنها حالقة، والدليل على التأنيث بعد ما ذكرنا قوله:
لحقت حلاق بهم على أكسائهم ... ضرب الرّقاب ولا يهمّ المغنم3
وتقول في النداء يا فساق ويا خباث ويا لكاع، تريد يا فاسقة ويا خبيثة ويا لكعاء، لأنه في النداء في موضع معرفةٍ كما تقول للرجل: يا فسق ويا خبث ويا لكع4، فهذا بابٌ ثانٍ.
ومن ذلك ما عدل عن المصدر نحو قوله1 يذمّ الخمر:
جماد لها جماد ولا تقولي ... طوال الدهر ماذكرت حماد
وقال النابغة الذبيانيّ:
إنّا اقتسمنا خطّتيننا بيننا ... فحملت برّدة واحتملت فجار2
يريد: قولي لها جموداً، ولا تقولي لها حمداً، هذا المعنى، ولكنه عدل مؤنثاً. وهذا باب ثالث.
والباب الرابع ان تسمى امرأةً، أو شيئاً مؤنثاً باسم تصوغه على هذا المثال، نحو رقاش وحذام وقطام وما أشبه ذلك، فهذا مؤنث معدول عن راقشة وحاذمة وفاطمة، إذا سمّيت به، وأهل الحجاز يجرونه على قياس ماذكرت، لأنه معدول في الأصل وسمّيي به، فنقل إلى مؤنث كالباب الذي كان قبله، فلم يغيروه، فعلى ذلك قالوا:
اسق رقاش إنها سقّايه
وقال آخر:
إذا قالت حذام فصدّقوها ... فإنّ القول ما قالت حذام
وينشدون:
وأقفر من سلمى شراء فيذبل
كذا وقع، والصحيح "فقد أقفرت سلمى شراء"، لأن قبله:
تأبّد من أطلال جمرة مأسل
والشعر للنّمر بن تولبٍ.
وأما بنو تميم فإذا أزالوه عن النعت فسمّوا به صرفوه في النكرة، ولم يصرفوه في المعرفة، وسيبويه يختار هذا القول، ولا يرادّ القول الاخر، فيقول: هذه رقاش قد جاءت، وهذه غلاب قد جاءت، وهذه غلاب أخرى، ولا اختلاف ببين العرب في صرفه إذا كان نكرة، وفي إعرابه في المعرفة، وصرفه في النكرة إذا كان اسماً لمذكر، نحو رجل تسميه نزال أو رقاش أو حلاق، فهو في النكرة إذا كان اسماً لمذكر، نحو رجل تسميه نزال أو رقاش أو حلاق، فهو بمنزلة رجل سميته بعناق أو أتانٍ، لن التأنيث قد ذهب عنه، فاحتج سيبويه في تصحيح هذا القول بأنك لو سمّيت شيئاً بالفعل الذي هو مأخوذ منه لعربنه، نحو أنزل وأضرب، لو سميت بهما رجلاً لجرى مجرى إصبع وأحمد إثمدٍ، ونحو ذلك فهذا يحيط بجميع هذا الباب.










مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید