المنشورات

وفود صعصعة بن ناجية على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وروت الرواة: إن صعصة بن ناجية لما أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: يا رسول الله، إني كنت أعمل عملاً في الجاهلية أفينفعني ذلك اليوم? قال: "وما عملك?" قال: أضللت ناقتين عشرا وين، فركبت جملاً، ومضيت في بغائهما1. فرفع لي بيتٌ حريدٌ، فإذا شيخ جالس بفناء الدار، فسألته عن الناقتين، فقال: ما نارهما? قلت: ميسم بني دارم، فقال: هما عندي وقد أحيا الله بهما قوماً من أهلك، من مضر. فجلست معه ليخرجا إليّ، فإذا عجوز قد خرجت من كسر البيت، فقال لها: ما وضعت? فإن كان سقباً2 شاركنا في أموالنا وإن كانت حائلاً وأدناها. فقالت العجوز: وضعت أنثى! فقلت أتبيعها? قال: وهل تبيع العرب أولادها?، قلت، إنما اشتري منك حياتها، ولا أشتري رقّها، قال: فبكم? قلت: احتكم، قال: بالناقتين والحمل، قال: قلت: ذاك لك، على أن يبلّغني الجمل وإيّاها. قال: ففعل، فآمنت بك يا رسول الله، وقد صارت لي سنّةٌ في العرب، على أن أشتري كل موءودة فقد أنقذها، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا ينفعك ذلك، لأنك لم تبتغ به وجه الله وإن تعمل في إسلامك عملاً صالحاً ثبت عليه".
وكان ابن عباس يقرا: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} 3. وقال أهل المعرفة في قول الله عز وجل: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} إنما تسأل تبكيتاً لمن فعل ذلك بها، كما قال الله تعالى: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} 4.
وقوله: "وئدت"، إنما هو أثقلت بالتراب، يقال للرجل: اتّئد أي تثبّت. وتثقّل، كما يقال: توفّر، قال قصيرٌ صاحب جذيمة5:
ما للجمال مشيهاً وئيداً ... أجندلآً يحملن أم حديدا
أم صرفاناً بارداً شديداَ6
وقوله: "أضللت ناقتين عشرا وين"، أضللت، ضلّتا مني، وتحقيقه: صادفتهما ضالتين، كما قال1:
أو وجد شيخ أضلّ ناقته ... حين تولىّ الحجيج فاندفعوا
والعشراء: الناقة التي قد اأتى عليها منذ حملت عشرة أشهر، وإنما حمل الناقة سنةٌ.
وقوله: "ما نارهما"? يريد ما وسمهما? كما قال:
قد سقيت آبالهم بالنّار ... والنّار قد تشفي من الأوار
أي عرف وسمهم فلم يمنعوا الماء.
وقوله: "فإذا بيت حريد" يقول: متنحّ عن الناس، وهذا من قولهم: انحرد الجمل، إذا تنحى من الإناث فلم يبرك معها، ويقال في غير هذا الموضع: حرد حردة، أي قصده، قال الراجز:
قد جاء سيلٌ جاء من أمر الله ... يحرد حرد الجنة المغلّة
وقالوا في قوله عزّ وجل: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} 2، أي: على قصدٍ كما ذكرنا.
وقالوا: هو أيضاً "على منع"، من قولهم: حاردت الناقة إذا منعت لبنها، وحاردت السّنة إذا منعت مطرها، والبعير الحرد: هو الذي يضرب بيده، وأصله الامتناع من المشي. وأما قوله:
.............................. ... وقبرٌ بكاظمة المورد
إذا ما أتى قبره خائفٌ ... أناخ على القبر بالأسعد
فإنه يعني قبر أبيه غالب بن صعصعة بن ناجية، وكان الفرزدق يجير من استجار بقبر أبيه، وكان أبوه جواداً شريفاً. ودخل الفرزدق البصرة في إمرة زياد، فباع إبلاً كثيرة وجعل يصرّ أثمانها، فقال له رجل: إنك لتصرّ أثمانها، ولو كان غالب بن صعصعة ما صرّها. ففتح الفرزدق تلك الصّرر ونثر المال. وبلغ الخبر زياداً فطلبه، فهرب الفرزدق، وله في هربه حديث طويل، واستجارته بسعيد بن العاص بالمدينة، نذكره بعد هذا إن شاء الله.











مصادر و المراجع :

١- الكامل في اللغة والأدب

المؤلف: محمد بن يزيد المبرد، أبو العباس (المتوفى: 285هـ)

المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر: دار الفكر العربي - القاهرة

الطبعة: الطبعة الثالثة 1417 هـ - 1997 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید